[البغي سبب للخلاف]
ما هي أسباب الاختلاف بين الناس؟ البغي والعدوان، البغي بغير علم ولا هدى، تجد بعض الناس يُحب أن يبغي على الآخر وفي طبيعته العدوان، فهو مركب في نفسه كالسم في العقرب إذا لم تنفثه ماتت، وبعض الحيات فيها سم إن لم تلدغ في السنة مرة ماتت، فتجد بعض الناس كهذه الفصيلة يريد أن يظلم على حد قول زهير بن أبي سلمى:
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
وأوله صحيح وآخره خطأ.
وقال المتنبي:
ومن عرف الأيام معرفتي بها وبالناس روى رمحه غير ظالم
يقول من يعرف الناس مثلي روى رمحه من دمائهم، وهذا ظلم وخطأ.
ويقول الشاعر الجاهلي -أيضاً- في الظلم والطغيان بحق أو بغير حق:
وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا
يقول نهاجم الأعداء فإذا انتهى الأعداء هاجمنا جيراننا فلا بد أن نهاجم؛ فإنك تجد بعض الناس إذا لم يجد حرباً مع العدو رجع على جيرانه.
وتجد بعض الناس لا يرتاح إلا أن يجلس معك في المجلس؛ فإذا سمع رأيك خالفك وإن كان يوافقك في سره لكن يحب الخلاف، يرى الأمر يجوز لكن إذا سمعك تقول: يجوز، يقول: لا يجوز، ولذلك جعلوا من آداب الصحبة ألا تخالف، وبعض الناس (مرفوس) في رأسه الخلاف، تسافر معه، فتقول له: ما رأيك، نجلس تحت هذه الشجرة؟ قال: لا؛ تحت هذه الشجرة، ما رأيك نجمع العصر مع الظهر؟ قال: لا نجمع الظهر مع العصر، ما رأيكم حفظكم الله نظل يوم الثلاثاء بالعمرة ويوم الأربعاء؟ قال: ما رأيك أنت، فتقول: يوم الثلاثاء، يقول: لا يوم الأربعاء، فيقول: ابن المبارك:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم
وهذا من أبيات التربية الرائعة البديعة اسمع إليه:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذاً قلت نعم قال نعم
وفي بيتين آخرين:
إذا صاحبت قوماً أهل ود فكن لهم كذي الرحم الشفيق
ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق
فالمخالف دائماً يكون مبغوضاً، الذي يحب الخلاف مغضوب عليه، والذي يحب أن يخالف بحق له مكانته ورأيه، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [آل عمران:١٩] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:٨٩] اليهود يشهدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول فلما جاءهم بالعمل كفروا والنصارى كذلك بغياً وعدواناً.