للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الضوائق تلجئُ المرءَ إلى الله

أصبحوا في ضائقة، واشتدت عليهم الأزمات، العبدُ قد يشرك في السعة، وقد يكفر؛ لكن إذا ضاقت عليه الضوائق لا يلتجئ إلا إلى الله.

يا واهب الآمال أنـ ـت منعتني وحميتني

وعدى الظلوم علي كي يجتاحني فنصرتني

فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني

يقول حصين بن عبيد لما أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: {كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: مَنْ لِرَغَبِكَ ولِرَهَبِكَ؟ -أي: لشدة الضوائق والشدائد- قال: الذي في السماء، قال: فاترك التي في الأرض واعبد الذي في السماء}.

قال ابن قتيبة: أجمع العقلاء على أن جميع البشر إذا اشتدت بهم الضوائق التجئوا إلى الله، حتى الكافر الملحد، وتجدون هذا في كتب الملحدين الذين أسلموا وكانوا على هذا النهج، مثل كتاب: رأيتُ الله، للملحد الذي أسلم، ومثل كتاب: أين الله؟، ومثل كثير من الكتب، بل القواعد التي ذكرها دايل كارنيجي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة، لا يتعرفون على الله إلا في الضوائق، وإذا دخلوا البحر وضاقت بهم الضائقة واضطربت السفينة من تلاطم الأمواج، وأتى الموت من كل مكان، وازدحمت عليهم الأهوال، وضاقت بهم الدنيا، فيتذكرون الأطفال والأزواج والأموال، فيلتجئون إلى الله، قال الله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥] ولذلك أمرنا الله أن نلتجئ إليه في وقت الضوائق؛ فإنه هو الذي ينجي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي يقول وقت ازدحام المعركة وتلاقي السيوف والرماح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:٤٥].

يقول ابن القيم: سُئِلَ ابن تيمية عن هذا: كيف يُذَكِّرُنا الله وقت الأزمة بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى والقلوب مشغولة بالحرب والقتل؟ قال ابن تيمية: إن العرب تعودوا على أن المحبين لا يذكرون محبيهم إلا في الأزمات، فأراد الله أن يذكرهم بمحبوبهم هذا.

ولذلك يقول عنترة وهو في المعركة والسيف على رأسه والرمح على رقبته؛ يقول لمحبوبته:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

فأراد الله أن يردهم إليه في هذه الأزمة.

قال: {فدخلوا في الغار فانطبقت عليهم الصخرة فسدت عليهم الغار}:

الآن ضاقت بهم الضوائق، فلا خبر ولا اتصال، ولا يوجد من ينجدهم، ولو كانوا في قرية لصاحوا حتى يسمعهم الناس؛ فقالوا: الآن أتى الصدق وذهب الكذب فقالوا: {لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>