مات ابنه بين يديه؛ وعمر ابنه سنتان، فكان ينظر إلى ابنه الحبيب القريب من القلب، ودموع المصطفى صلى الله عليه وسلم الحارة تتساقط كالجمان، أو كالدر على خد ابنه، وهو من أصبر الناس يقول:{تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}.
ماتت خديجة امرأته، وزوجته العاقلة الرشيدة، الحازمة، المرباة في بيت النبوة، التي كانت تؤيده وتنصره، ماتت وقت الأزمات، ماتت في العصر المكي، يوم تألبت عليه الجاهلية، وكانت ساعده الأيمن، يشتكي إليها من كثرة الأعداء، ومن الخوف على نفسه، فتقول:{كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتعين الملهوف، وتقري الضيف، كلا والله لا يخزيك الله أبداً} فتموت في عام الحزن، فيكون من أصبر الناس؛ لأن الله يقول له:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}[المعارج:٥].
تجمع عليه كفار مكة؛ أقاربه وأعمامه، فرصدوا له كميناً ليقتلوه وليغتالوه، فدخل داره، وأتى خمسون من الشباب، كل شابٍ معه سيفٌ يقطر دماً، وحقداً، وحسداً، وموتاً، فلما طوقوا داره كان من أصبر الناس، خرج من الدار، وهم في نعاسٍ وسبات، فحثا على رءوسهم التراب؛ لأن الله يقول له:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}[المعارج:٥] ولما حثا التراب على رءوسهم وكانوا نياماً؛ تساقطت سيوفهم من أياديهم، والرسول عليه الصلاة والسلام يتلو عليهم:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}[يس:٩].