[التوحيد الخالص]
ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن التوحيد: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣] ويقول: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف:٢٩] ويقول عليه الصلاة والسلام: {يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: من عمل علملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} ولا يقبل الله عز وجل إلا أن يكون الدين له خالصاً, والرياء من الشرك, وفي الصحيحين: {من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به}.
وفي الصحيح: أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: عالم -أو قارئ- وجواد وشجاع, كلهم فعلوا ليقال: عالم, وليقال: جواد, وليقال: شجاع, فيقول الله: خذوهم إلى النار فتسعر بهم النار، والعياذ بالله.
ويقول سبحانه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان:٤٣] ويقول: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤].
يعجبني كاتب مسلم عصري كتب في هذه الآية: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:٤٣] قال: من أحب لعبة الكرة حتى سيطرت على حبه وقعت عليه هذه الآية, إي والله! بعضهم يعيش مع الكرة ليلاً ونهاراً, يراها في المنام، وهو لا يعطي الدين عشر ما يعطي هذه اللعبة, تشجيعاً وحباً وميلاً، ويوالي عليها ويعادي ويحب ويبغض ويعطي ويمنع، حتى يجعل لون سيارته لون الفريق الذي يشجع وبدلته وبطاقته والميدالية التي يحمل, فأي ولاء هذا؟!!
أيعني هذا خالص التوحيد؟!
والله عز وجل يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:١٦٢] أي: ليلي ونهاري حبي وبغضي عطائي ومنعي, لكن يأتي مشجع كرة ثم يستميت هذه الاستماتة في تشجيع كرته، ونقول: موحد خالص!! وكل وقته للكرة!!
سمعت من بعض الدعاة أن رجلاً كان هلالياً وامرأته نصراوية, فغلب فريقه فريقها فتشاكس معها فطلقها, أهؤلاء موحدون خالصون؟!! أهؤلاء تأثروا بدعوته عليه الصلاة والسلام في حياتهم؟
بل بعضهم يقاتل على فريقه ويغضب له ويرضى ويحب ويبغض, فلا إله إلا الله ما أبعد هؤلاء عن خالص التوحيد!!
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:٤٣] لعبة من اللعب، أو كيان من الكيانات، أو عشق من العشق، كلها تناقض التوحيد.
ويقول سبحانه عن لقمان وهو يوصي ابنه أول وصية -ووصيته عجيبة توحيد وعبادات وسلوك-: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].
{لما أنزل الله عز وجل قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] شكى الصحابة، وقالوا: يا رسول الله! أينا لم يظلم نفسه؟! قال: إنه ليس ما تعنون -أي: ليست الذنوب- ولكن أما سمعتم قول الله عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}) [لقمان:١٣]} فأعظم ظلم في الدنيا الشرك, وهو أن تصرف شيئاً لغير الله عز وجل من عبادتك وذكرك واتجاهك وحبك ورغبتك ورهبتك.
وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:٧٢].
ركب صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين - ورديفه معاذ - فقال: {يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم, فلما مشى قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً, ثم قال: يا معاذ! هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: حقهم ألا يعذبهم} أي: لا يدخلهم النار, إذا أخلصوا التوحيد وقاموا بمقتضيات التوحيد وشروط التوحيد، فهذه نجاة لهم من النار, أما المشرك فلن يدخل الجنة, قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] وأما من يشرك فلا غفران له.
لكن عصاة من أولي التوحيد قد يدخلونها بلا تخليد
فأهل الذنوب عند أهل السنة قد يدخلون النار.
إن الذي يذهب لينهى الناس عن المعاصي -عن معصية الربا أو الزنا أو الغناء وأمثالها- ثم لا يأتي بالإيمان والتوحيد يخفق تماماً، ولا يصلح له الحال, ولا يكون له نتيجة.
وغفر الله لمن كتب لي رسالة بالأمس، وأشار إلى هذه القضية الكبرى وقد أصاب, تقبل الله منا ومنه، يقول: الحديث في القضايا الجزئية كثير، لكن مسألة التوحيد التي نراها والتي انقصمت لها ظهورنا في الحرم, حيث إن هناك شركيات نراها ونسمعها، وهي مسئوليتكم أنتم يا دعاة الإسلام ويا حماة العقيدة!!
ومن القضايا أيضاً أن عرض القرآن للتوحيد غير العرض الذي يعرض في بعض المؤلفات العصرية, فهو عرض معه حياة وجمال وروعة, فهو يتكلم عن خرير الماء وهو معك في التوحيد, عن الزهر وشذاه, وعن تغريد الطيور, وعن البساتين والحدائق, وهو يتحدث لك عن التوحيد.
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤].
اللهم إنه ليس معنا أعمال صالحة وإننا مقصرون وما معنا إلا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) اللهم فأنقذ بها أجسامنا ولحومنا من النار, اللهم أسعدنا بها في الدنيا, اللهم رد المسلمين إلى التوحيد الخالص يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.