[سبب نزول آية: (واعتصموا بحبل الله)]
وسبب نزول هذه الآية؟ كما ذكر ابن جرير وغيره: أن الأوس والخزوج أنصار الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة تآخوا وتآلفوا وتحابوا حتى أصبحوا أعظم محبة وإخاءً من إخوة الآباء والأمهات, فغاظ اليهود هذا الإخاء, وأتى يهودي مجرم هو " ابن شاس " من يهود المدينة , فدخل على الأوس والخزرج وهم في المسجد فقال: أنسيتم حروب الجاهلية؟ أنسيتم -يا أوس- مقتلة الخزرج فيكم؟ وأنتم يا الخزرج أنسيتم مقتلة الأوس فيكم؟ حتى أشعل الفتنة, فتذكروا الجاهلية وثارت الحمية -والرسول عليه الصلاة والسلام في بيته- فقام شاب من الخزرج فسلَّ سيفه وقال: يا للطيمه يا للطيمه فقام أوسي, فتواعدوا إلى الحرة -ظاهر المدينة - وخرجت القبيلتان والموت يبرق من سيوفهم, لأن القبائل يوم تنسى (لا إله إلا الله).
ويوم تنسى رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام
ويوم تنسى الحب الذي أنزله الله في كتابه
ويوم تنسى الجنة والنار والصراط والميزان
تصبح كأنها قطيع من البهائم في الغابة, أخذوا السيوف, وصفوا الصفوف, وأرادوا أن يقتتلوا, وسمع عليه الصلاة والسلام الخبر, فخرج من بيته وهو يقول: {حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} يقول أهل العلم: "خرج بلا حذاء يجر إزاره" ووصل بين الصفين والسيوف قد سلت, والموت الأحمر يتقاطر من رءوس السيوف, ووقف بين الصفين, وقال: {يا أيها الناس: أما كنتم ضلالاً فهداكم الله بي؟ أما كنتم متفرقين فجمعكم الله بي؟ أما كنتم متحاربين فآخى الله بينكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: ألست فيكم؟ قالوا: بلى, قال: أما نزل الوحي عليّ وأنا بين أظهركم؟ قالوا: بلى, قال: فما هذا؟! فوضعوا السيوف على التراب, وقالوا: نستغفر الله, ثم أقبلوا يتباكون الصفوف بالصفوف وتعانقوا, وأخذ بعضهم يبكي وهو يعانق أخاه} ويقول فيهم الشاعر:
إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها
فأنزل الله أول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} [آل عمران:١٠٠] أي: كيف تقتتلون؟ كيف تتباغضون؟ كيف تتناحرون؟ كيف تتقاطعون؟ كيف تسري فيكم الفتنة؟ {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران:١٠١] أليس فيكم القرآن؟ أليست فيكم الرسالة الخالدة؟ {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:١٠١] وتعتصم بالله وبالتوجه إلى الكتاب والسنة, وأن تخلص قلبك لله, وتطهر قلبك وعينك وسمعك ويدك ورجلك لتكون عبداً لله.
كان عمر يبكي في ظلام الليل وهو ساجد في البيت ويقول: [[اللهم اجعلني عبداً لك وحدك]] قال أهل العلم: "يعني عبداً لله لا عبداً لغيره" لأن بعض الناس عبد لله وعبد لوظيفته ومنصبه وماله؛ لكن المؤمن عبد لله وحده.
يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة, تعس عبد الخميلة, تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} ثم قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
كان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية بكى حتى تكاد أضلاعه تختلف, قالوا: ما لك؟ قال: "أخشى أن أموت على غير الإسلام" {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] لأن الخاتمة عند الله عز وجل, والخاتمة أمرها خطير, قال ابن القيم: "من شب على شيء؛ شاب عليه, ومن عاش على شيء؛ توفاه الله عليه, ومن أسعد شبابه وأسعد حياته بتقوى الله؛ سلمه الله حتى يلقى الله على لا إله إلا الله".
ثم قال سبحانه بعدها: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمران:١٠٣] قال مجاهد: "حبل الله الإسلام" وقال غيره: "حبل الله الرسول صلى الله عليه وسلم" وقال الثالث: "حبل الله القرآن" والصحيح أن حبل الله الإسلام والرسول والقرآن, هذا حبل الله الذي أنزله من السماء.