للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شراب أهل النار]

أما شراب أهل النار فهو كالمهل، فسره عليه الصلاة والسلام بأنه عكر الزيت، وهو الحار الذي يغلي من الزيت، يشربه الشارب غصباً، من وراء أنفه يشربه، فتنخلع أمعاؤه وتتقطع في الأرض من دبره، وكلما تقطعت أنشأ الله له أمعاء، فيشرب وتتقطع وهكذا أبد الآبدين، نعوذ بالله من ذلك، وهذا عند أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم بأسانيد صحيحه، أنه كعكر الزيت إذا قرب وجهه سقطت فروة وجهه في هذا الزيت أو في الإناء.

قر السم حتى امتار فروة رأسه من السم صلٌّ قاتل اللسع مارده

وهذا ذو الرمة يصف حية تلدغ، والحيات السود إذا لدغت عند العرب سقطت الجفون من سمها في الأرض، ووصفوا عذاب جهنم في بعض كتب المفسرين بذلك، ولكن أين جهنم من عذاب الدنيا؟ عذاب الدنيا سهل وبسيط.

يقول سعيد بن جبير للحجاج: قال له الحجاج في مناظرة حارة ساخنة بينه وبين سعيد بن جبير، عالم المسلمين المحدث الزاهد العابد، وقد أتي به إلى الحجاج بن يوسف السفَّاك فأجلسه أمامه، قال: يا سعيد بن جبير! والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من الناس، قال: يا حجاج! اختر لنفسك أي قتلة أردت، والله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها، فقتله، ثم نام الحجاج في تلك الليلة فرأى كأنه يسبح في الدم، وكان في الصباح يبكي ويقول: رأيت كأن القيامة قامت، وكأني أوقفت عند الصراط، فقتلني الله بكل رجل قتلته قتلة واحدة، وهو قد قتل مائة ألفٍ، وقتلني بـ سعيد بن جبير سبعين مرة.

وهذا الجزاء من جنس العمل، يقول له سعيد بن جبير لما أراد قتله: لا إله إلا الله محمد رسول الله خذها يا حجاج حتى تلقاني بها عند الله يوم القيامة، ولذلك لما مروا على الحجاج -كما عند المؤرخين- سمعوه يعذب في القبر ويصيح في الليل، فيقول أخوه محمد: رحمك الله يا أبا محمد! تقرأ القرآن في الحياة وتقرؤه في القبر، فهو يعتذر له أمام الناس، ماأحسن ذاك القرآن في القبر! ونحن نقول: الله يتولى الأمور، ولا نشهد لأحد بجنة ولا نار، لكن نقول: الحجاج نبغضه ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>