يقول جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}[الحشر:١٨] هذه الكلمة كبيرة جامعة تملأ الخير كله، فقد أمر بها سبحانه المؤمنين في هذه الآية وآيات كثيرات، وأمر بها -أيضاً- جميع الناس في قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[النساء:١] الآية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج:١]{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[لقمان:٣٣].
فالتقوى: جماع الخير، هي: عبادة الله وتوحيده وطاعته وفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والوقوف عند حدوده، هذه هي التقوى والإيمان، وهي الهدى، والإسلام، والزهد.
فالتقوى: أن تتقي ربك بالعبادة وحده، والإخلاص له سبحانه في جميع العبادات، وأن تطيع أوامره وأن تنتهي عن نواهيه، والإيمان به، والرضا بما عنده، والحذر من عقابه، وأن تقف عند حدوده لا تتجاوزها ولا تتعداها:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا}[البقرة:٢٢٩] هذه هي التقوى، وهي العبادة التي خلقنا لها:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦] وهي التي أمرنا بها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة:٢١] وغيرها من الآيات.
فالواجب على كل مكلف أن يتقي الله من رجال ونساء من جن وإنس من عرب وعجم من أغنياء وفقراء من حكام ومحكومين، الواجب على الجميع أن يتقوا الله؛ وذلك بعبادته وحده، والاستقامة على دينه، وفعل أوامره وترك نواهيه؛ عن محبة وإنابة، وعن صدق وإخلاص، وعن رغبة ورهبة، نرجو ثوابه ونخشى عقابه، هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس من الرجال والنساء من الأغنياء والفقراء من العرب والعجم.
ثم يقول جل وعلا:{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر:١٨] يعني: انظروا ماذا قدمتم للآخرة، وهذا من التقوى، الأب يحاسب نفسه وينظر ماذا قدم من التقوى، فالواجب على كل مكلف أن يحاسب نفسه وينظر ما قدم، ولا يغفل فإن الشيطان قد يزين له الغفلة، وهكذا دعاة الباطل، وهكذا حب الدنيا وشهواتها قد يلجئه إلى هذا الشيء.
فالواجب الحذر، والواجب أن يحاسب كل إنسان نفسه، وينظر ماذا قدم في عشيرته، فإن كان قدم عملاً صالحاً وتقوى فليحمد الله، وليسأل ربه الثبات، وإن كان قدم خلاف ذلك فليبادر إلى التوبة والإصلاح، والله يتوب على التائبين عز وجل.
(واتقوا الله) يكررها سبحانه لأهميتها والتأكيد عليها.
{إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:١٨] من ادعى التقوى فإنه لا يخفى على الله، لا بد أن تكون التقوى دعوى صادقة؛ قولاً وعملاً، وعقيدةً بالقلب والعمل، فإن الله يَخْبُرُ أعمالنا ولا تخفى عليه سبحانه وتعالى.