[عمارة بن رؤيبة وموقفه من البدعة]
ثم كان من المواقف للسلف الصالح كما في صحيح مسلم أن يأتي بعض الناس فيزيدون شيئاً لم يأتِ به النبي صلى الله عليه وسلم، لا نقول كما يقول بعض الناس إذا قلنا لهم: هذه بدعة، قالوا: زيادة خير، من أين كانت زيادة خير؟! لو كانت زيادة خير لأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وشيء لم يأتِ من بضاعته ودراهم ولا تخرج من كيسه؛ فهي مغشوشة مبهرجة، مزخرفة ليست أصلية.
أتى بشر بن مروان -وهو أخو عبد الملك - إلى العراق واستولى عليها، يقول الشاعر فيه:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق
فصعد يوم الجمعة ورفع يديه على المنبر في غير استسقاء، ورفع اليدين من الخطيب بدعة في غير دعاء الاستسقاء؛ لأنه لم يأتِ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدخل الصحابي عمارة بن رؤيبة فرآه، فقال: [[مال هاتين الكفين الخبيثتين ترتفعان على المنبر، والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بنا على المنبر فما يرفع يديه]] لكن هذا النفي العام يخصصه قول أنس يوم استسقى النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر، كما في حديث الأعرابي الذي دخل من نحو دار القضاء، وقال: {يا رسول الله! جاع العيال، وهلك المال، وتقطعت السبل؛ فادع الله أن يغيثنا.
فرفع صلى الله عليه وسلم يديه ودعا}.
إذاً لا يجوز للخطيب أن يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وإن رفعها في غير الاستسقاء فقد ابتدع في دين الله.
وللفائدة: ما هو موقف المأمومين يوم الجمعة إذا دعا الخطيب، وقال: اللهم صلِّ على رسولك محمد، أو اللهم أصلح إمام المسلمين، أو اللهم اجمع كلمة المسلمين؟!
الصحيح في هذا: أن يتوقفوا عن رفع الأيدي؛ لأن رفعها أقرب إلى البدعة لأنه لم يأتِ فيه نص فيما أعلم، وما عملها السلف، ولا يُعمل بمثل هذا إلا بدليل عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإتباع ذلك بالتأمين -أيضاً- يلحق بهذه المسألة، لأننا -بحد علمنا القاصر ما وجدنا ما يدل من السنة- أن هناك دليلاً يخول لنا أن نفعل هذا، وهذه من المسائل المشهورة، وحاجة الأمة إليها حاجة ماسة، فكيف تخفى على طلبة العلم والمبتدئين من طلبة العلم.
إذاً فالأصل هو التوقف في هذه المسائل حتى يرد دليل من المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وللفائدة فإن من المسائل التي تلحق بذلك ما ذكره الإمام الشاطبي صاحب الموافقات:
قال: كنت خطيباً! فأنكر عليَّ الناس بعض الأمور التي كنت أفعلها؛ لأنهم تعودوا السير على البدع، من بعض الأمور التي يتوهم الناس أنها من السنة، ولا بأس بها أحياناً، لكن المداومة عليها بدعة، كأن يقول: وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فبعضهم يقول: هذه لا بد منها في الخطبة، وإذا تركتها فالخطبة باطلة، ومن لم يفعل ذلك فقد ابتدع، فله أن يفعلها أحياناً ويتركها أحياناً، ومن يفعلها دائماً معتقداً أنها من السنة فقد ابتدع، ومن ذلك أن يحافظ على أدعية مخصصة في الخطبة الثانية لا يتجاوزها، وأنا أتحدث عن البدع التي تنتشر في أوساطنا وإلا -لا نقول هذا تعصباً محضاً- في أوساطنا البدع قلت والحمد لله؛ لأن السنة منتشرة، ولأن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لا زالت حية في كثير من الأماكن، ولكثرة طلبة العلم، لكن في كثير من البلاد يرى الإنسان عشرات من البدع.
ومن البدع التي توجد: أنه عندما يقول الإمام لمن هو موجود: (استووا) فإنهم يقولون: (استوينا لله وأطعنا) وهذا لم يرد في السنة، من قال لك: استوينا بالله، أو توكلنا على الله، صحيح أنها دعاء، لكنها لم ترد.
رأى سعيد بن المسيب -رحمه الله- رجلاً يصلي قبل صلاة الفجر ست ركعات أو أربع ركعات، والسنة ركعتان، قال سعيد: [[خالفت السنة، قال الرجل: والله ما خالفت السنة لأني أريد الخير، والله لا يعذبني لأني أصلي له، فقال له سعيد بن المسيب: والله ليعذبنك الله، لا يعذبك للصلاة لكن يعذبك لأنك خالفت السنة]].
قيل لأحد علماء السلف: من هم أهل السنة؟
قال: أهل السنة هم الذين ليس لهم اسم إلا أهل السنة.
بعض الناس إذا قرأ الإمام: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] قال: " اللهم اهدنا " وإذا قرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] قال: " استعنا بالله " لماذا تدخل هذا الكلام؟ من أعطاك هذا الكلام؟
هذه شريعة لا تقبل الاجتهادات، خاصة في الصلوات، وسوف يمر بنا أمثلة إن شاء الله.
المقصود أن هذا الرجل عندما رفع يديه أنكر عليه الصحابي الشهير ليدافع عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.