شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواجهة المؤامرة
أغلقت مكة أبوابها في وجه الابن البار، وأنذرته في خلال أربع وعشرين ساعة، أن يغادرها ولا يبقى في ساحها، عجيب! ولد في ربوعها، وترعرع في تلالها، شرب ماءها، واستنشق هواءها، وتقول له مكة اخرج! إلى أين؟!! لا ندري.
وليتهم تركوه ليخرج سالماً معافى، لكن يريدون أن يخرجوه جثةً، أو يحبسوه، أو يبيدوه أو ينفوه من الأرض، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠]
تخفيت من خصمي بظل جناحه فعيني ترى خصمي وليس يراني
فلو تسأل الأيام عنيَّ ما درت وأين مكاني ما عرفن مكاني
دخل في غرفة علي أو في بيته هو، وطوقه الكفرة الفجرة؛ لأنه يهدد مصالحهم التي بنيت على الظلم، ويصادر شهواتهم، ولا يطاوعهم في نزواتهم، إن أهل الباطل قديماً وحديثاً يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق خصماء على طول الطريق؛ لأنهم يقولون لهم: لا.
في كل معصية، وشهوة، ونزوة!!
طوقوا بيته بالسيوف المصلته، وتحروا متى يخرج، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يقدمها الناس من أجل أراضيهم، ومزارعهم، ومناصبهم.
ليست الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، والسيوف المسلولة من أجل التراب والطين.
أما محمدٌ عليه الصلاة والسلام فيقدم رأسه من أجل مبدئه، يتحدى الشمس أن تهبط في يمينه والقمر أن ينزل في يساره، ولو نزلت الشمس والقمر، والله ما تهزه خطوة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض!!
طوقوه وأتاه جبريل فأخبره، قال: الخصوم خارج البيت يريدون قتلك، فيقول: إن الله معنا.
لله درك، ولله در الشجاعة المتناهية، ولله در الروح العالية:
يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا فضائح أين منها زندك الواري
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبارِ
فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح وهم بالرماح!! وأخذ حفنة من التراب فألقى الله النوم عليهم، فناموا وسقطت سيوف الخزي والعار، ونثر التراب والغبار على رأس الفجار، وهو يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:٩].