للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لا نرى عودة إلى الله من قبل الناس]

ؤال: فضيلة الشيخ: نسمع من بعض المتعجلين أننا لم نرَ بعد تغيراً في سلوك الناس ورجعةً إلى دين الله، وقد فاتهم أن سنة التغيير لا تأتي بين عشيةٍ وضحاها، حبذا لو وجهتمونا وإياهم إلى الواجب على الجميع تجاه ذلك.

الجواب

الحمد لله:

أولاً: عمر الصحوة التي نعيش فيها قليل وقصير، وما لها إلا سنواتٍ معدودة، فأنت قبل سنوات لا تجد هذه الجموع، ولا هذه الوجوه الغالية، ولا هذه القلوب الحارة الصافية، ولا هذه الطلعات والسجدات.

ثانياً: البناء صعب والهدم سهل.

أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادم فكيف ببانٍ خلفه ألفُ هادمِ

فالبناء صعب، خاصةً في هذا العصر لأسباب منها: ضعف البُناة، والدعاة فيهم ضعف ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقوى البُناة، وأقوى من بنى، ومع ذلك استمر يعلم الناس ثلاث عشرة سنة؛ لا إله إلا الله، فكيف بنا وبأمثالنا من الدعاة الضعفاء، إذا ألقيت كلمة، تشيد فيها بلا إله إلا الله، ألقيت بعدك ألف أغنية ومسلسل، وألف مجلة خليعة وألف مقهى، وألف ليلةٍ حمراء:

أرى ألف بانٍ لم يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ

ثالثاً: أن في الناس خيراً، ومن سنن الله في الكون ألا يصلح الناس جميعاً: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:١١٢] {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:٩٩] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢] {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:١٠٧] فمن حكمة الله عز وجل أن يبقى الصراع: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ} [البقرة:٢٥١].

إذاً فالصراع لابد منه، وقضية أن يعيش المسجد بلا مقهى، وأن يعيش الصالح بلا طالح، وأن يعيش القرآن بلا قانون وضعي؛ غير ممكنة فهكذا الصراع، والدين هذا يعيش مع الصراع، والله أنزله ليصارع به الأديان الوضعية، والعاقبة للمتقين، ولو كانت تفض الساحة فارغة لفرغت للرسول عليه الصلاة والسلام، وسوف تسمعون غداً المعاناة التي عاشها في أهله وفي نفسه وقلبه، وفي سمعته وعرضه، وفي جيشه ومبادئه، وفي منبره وكتبه وفي سنته إلخ.

تلك المعاناة التي ما عاشها أحد من البشر أبداً.

إذاً فالناس فيهم خير والحمد لله، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: صلى الله عليه وسلم {من قال: هلك الناس فهو أهلكهم} ضبطت عند الحفاظ كـ الخطيب البغدادي وغيره أهلَكُهم بالرفع، وأهلَكَهم بالنصب، فإن ضبطت بالرفع، فمعنى ذلك: أشدهم هلاكاً؛ لأنه معجب بنفسه، وإن ضبطت بالنصب، فمن باب المصدر معناه: أنه هو الذي أهلكهم بفعله هذا أو أنه فعل ماضي، فأهلكهم بفعله، لأنه كلما قال: هلك الناس؛ هلك الناس ووقعوا في الخطايا.

قال عثمان رضي الله عنه: [[ودت الزانية أن تزني بنات الناس، وودَّ السارق أن يسرق الناس]].

<<  <  ج:
ص:  >  >>