[موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم]
العنصر الرابع بعد حفظ الوقت، وحفظ نفسك من المعاصي، وحفظ الله بالطاعات، هو: أن تعرف موقفك من الرسول صلى الله عليه وسلم.
واعلم -يا أخي- أن الله لم يخلق أشرف ولا أكرم ولا أرحم ولا أجل من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك أغلق الله أبواب الجنة أن تدخل إلا من بابه، فمن أتى من غير باب الرسول صلى الله عليه وسلم احرمه الله من دخول الجنة، قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١].
وموقفك من الرسول صلى الله عليه وسلم يدور على ثلاث قضايا:
القضية الأولى: أن تعيش معه في السيرة، أن تعرف سيرته وحياته، جليلها وحقيرها، كبيرها وصغيرها، وما أعلم كتاباً أحسن من زاد المعاد لـ ابن القيم يقول أبو الحسن الندوي: ما دبجت يد مسلم أفضل من زاد المعاد.
فأوصي نفسي وإياكم باقتنائه، أو كتاباً آخر في السيرة كـ سيرة بن هشام، وأجلها زاد المعاد لـ ابن القيم تستصحبونه معكم، وتقرءونه وتتدبرون ما فيه، علَّكم أن تعرفوا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وحياته، وعلكم أن تعرفوا هذا الإنسان العظيم، الذي زكاه الله من فوق سبع سماوات فقال فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤].
وقراءة السيرة ليس للتسلية ولا للسمر، لكن لنقتدي به صلى الله عليه وسلم، فإنه ورد في حديث: {والله لا يسمع بالرسول صلى الله عليه وسلم سامع، يهودي ولا نصراني ولا مجوسي، ثم لم يسلم إلا أدخله الله النار} فوالله لا يسمع بالرسول صلى الله عليه وسلم سامع، ثم لا يقتدي به ولا يسلك مسلكه إلا دخل النار.
يا مدعي حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا
أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا
خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا
تأخذ كل صغيرة وجليلة وكبيرة أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، فتحكمه في نفسك، يقول الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] كان محمد صلى الله عليه وسلم يصلي كذا، تصلي مثلما صلى، يقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} كيف ندعي أننا طلبة علم ولا نعرف كيف كان يصلي صلى الله عليه وسلم؟
صحيح أننا أجدنا علم الدنيا، وعرفنا وأتقنا علم الجغرافيا والتاريخ والتربية، لكن علم السيرة، وعلم الأثر، وعلم الحديث، ما أنتجناه ولا أجدناه كما ينبغي، يقول صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} فتعرف كيف كان يصلي وكيف كان يشرب، وكيف كان يأكل.
وأوصي نفسي وأوصي الأساتذة والمربين والموجهين، أن يتقوا الله في شباب المسلمين، ويتقوا الله في هذه الفلذات التي عرضت أمامهم على كراسي الدراسة، أن يمنحوها علماً، وأن يحضروا علماً نافعاً، وأن يخلصوا لله عز وجل، ولا يكن هم الأستاذ أن ينهي الخمس والأربعين دقيقة هذه، ثم يخرج من الفصل ويعتبرها وظيفة لا والله، والله ليسألنه الله يوم القيامة عن هؤلاء، ليسألنه الله ماذا فعل فيهم، ليسألنه الله في هذا المرتب، وهذا المعاش الذي قبضه، وهذه الأكباد والوجوه والقلوب ماذا فعل فيهم.
ثم أوصي نفسي وهؤلاء الشباب، أن يتقوا الله في أيامهم وفي جلوسهم على مقاعد الدراسة، أن يستفيدوا علماً من أساتذتهم، وأن يحترموهم ويوقروهم؛ لأنهم يهدونهم إلى الصراط المستقيم إن شاء الله.
فيا أيها الإخوة: موقفنا من الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً: أن نعيش سيرته.
والأمر الثاني: أن نتأدب بأدبه.
والأمر الثالث: أن نكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
واعلموا أنكم لن تجدوا في العالم أزكى منه قلباً، ولا أطهر ولا أوضح منهجاً، ولا أحسن سيرة منه صلى الله عليه وسلم، يقول الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الشورى:٥٢ - ٥٣].