للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من كان شيخه كتابه]

ما موقعنا من كلمة: "من شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه" وهي موجودة بين طلبة العلم وهذه الكلمة تحتاج إلى تفصيل، فإن بعض الناس يقبلونها على مطلقها، فعنده فتح الباري مطبوع محقق منقح مصفح مسطر، فلا يقرأ فيه، فإذا قلت له: لماذا لا تقرأ فيه؟ قال أخاف أن أقرأه وحدي فأضل سواء السبيل، حتى يأتيني شيخ فيجلس معي بعمامته، فأتربع بين يديه، فأجعل ركبتي إلى ركبتيه وأضع يدي على فخذيه، ثم أتعلم منه، لسبب "من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه".

وشاب آخر كفر بهذه الكلمة، يقول: هذه الكلمة لا مصداقية لها، فأخذ من بداية الطريق يأخذ الأحاديث مباشرة، ويفتي الناس بها، ويضرب رأس هذا الحديث برأس هذا الحديث، ويوجه مسار الفتيا وتوجيه التشريع والتأصيل والتحقيق، ويقول: لا حاجة لعلوم النحو، واللغة وأصول الفقه.

والواجب أن يفصل في هذه الكلمة، وقد سمعت من بعض أهل العلم تفصيلاً لها، فلا يوسوس فيها ولا تترك: فأما من كان عنده مبادئ علمية يستطيع أن يفهم بها الكتب، أو درس في مدارس فيستطيع أن يعرف العبارة فلا يقرأ في عبارة لا يجوز أنها يجوز فيضل، لكن عنده فهم وعنده حسن تلقٍ وتدبر، فإنا نقول له: باسم الله ابدأ واقرأ فتح الباري من أوله إلى آخره ودعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وترعى الشجر.

أما أن نقول لك: اصبر حتى يأتيك شيخ، فلا يأتيك شيخٌ وقد لا ترى شيخاً في حياتك، فهل تحرم نفسك وعندك المبادئ والأسس والأساليب من هذه الكتب المقابلة على النسخ، المحققة المطبوعة المنقحة، من الذي عنده مبادئ ولا يفهم تفسير ابن كثير أو رياض الصالحين أو بلوغ المرام أو غيرها من الكتب؟

فنقول لمن عنده فهم وتيقظ وقدر لا بأس به أو حد أدنى من العلم: ابدأ واقرأ بنفسك.

أما آخر ليس عنده مبادئ ويخلط الغث بالسمين، والحابل بالنابل، ويركب الصعب والذلول، فنقول: رويدك، لا بد من أساس علمي ومنهجي، ولا بد من التلقي قبل أن تبدأ، فليعلم ذلك، وأظن أن هذا التفصيل علم، "من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه".

والذي نلاحظه في الأوساط -وهي أصبحت كالظاهرة ونسأل الله أن يعافينا منها- ظاهرة الدعوة بلا علم، وظاهرة دعوة الناس إلى الصحوة بلا علم، والتقليل من شأن الحلقات العلمية والتلقي عن العلماء والتأصيل العلمي، وتخريج الأحاديث وتحقيق المسائل، وهذه ظاهرة خطيرة، والجهل سوف يودي بهذه الصحوة إلى ما لا يحمد عقباه، لأن صحوة لا ترتسم على قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام ليست بصحوة، ولذلك قد يوجد في أهل الصحوة من ترى عليه ملامح الاستقامة ولكنه ليس فيه توقد، وليس فيه روح، وليس فيه مدد وغذاء للصحوة الذي هو العلم النافع والعمل الصالح، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:٣٣] الهدى: العلم النافع، ودين الحق: العمل الصالح، فهذا هو الذي أرسل به صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>