[نماذج من خوارم المروءة]
وحذار من أن الإنسان يأتي بهذه الخوارم، منها: أن البعض في صلاة الفجر يأتون بثوب النوم المخطط، هذا الذي كأنه من نيجيريا، يأتي بثوب النوم، ولو دعاه سلطان من الناس لتجمل قبل الدعوة بيوم، والبعض في الأعراس يأتي كأنه تحفة، الإنسان لابد أن يعتني بمظهره.
منها أنه يشاهد بعض الإخوة وهو يمشي في الطريق يبصق عن اليمين وعن اليسار في طريق المارة، وهذا شاب يمثل الإسلام! أحياناً تجده يدخل عجولاً مهرولاً في مشيته، وهذا لا يليق؛ لأن الإنسان يقدر بالعقل والاتزان، وليس كل ما لم يذكر في القرآن ولا في السنة معناه أن يترك ويهمل، لا.
قد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم من سيرته الكثير.
وأعرف كذلك نماذج كثيرة من خوارم المروءة كما قلت في المثل، كثير من الناس يشرب الماء وهو ماش في السيارة، أو يشرب الببسي ثم يرمي العلبة وراءه فتقع على سيارات الناس، ثم يكتشفون هذا الوجه النير الطاهر فيقولون: كيف تفعل هذا؟ أليس هذا خطأ؟ بلى.
منهم من يقطع الإشارة -مثلاً- ويقول هذه إشارة المرور لم تذكر في الكتاب ولا في السنة، ما هذا الفقه؟! وقس على ذلك.
والذكي يعرف وإلا فهناك نماذج كثيرة من خوارم المروءة يقع فيها كثير من الناس، ومنها ما هو سوء أدب كأن تجد بعض الشباب ولو كانوا طلبة علم وشاركوا في المراكز وهم دعاة في نفس الوقت لا يقدرون الكبير، أنا حضرت مجالس يدخل طالب علم مشهور بطلب العلم أو قاضي أو عالم أكبر منه سناً، فيجلس الطالب لا يقوم أبداً تقول: لماذا لا تقوم للشيخ يا أخي؟ قال: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن في هذا الموقف لا أدري يتسنى للإنسان أن يبقى في صدر المجلس وتنظر إلى رئيس المحاكم -مثلاً- أو إلى عالم من العلماء وهو عند الأحذية بين الأطفال.
أنا رأيت بعض الشباب كذلك يدخل بعض الشيوخ الكبار فيقوم المجلس كله ويبقى هو جالس، وهذا والله لا يصلح، أنا أدري أن عندهم أدلة لكن الأدلة على خلاف ما يقولون، وربما المسألة اجتهادية، وفرضاً أنه مصيب وأنا مخطئ في الدليل؛ لكن هل من اللائق أن يقوم مجلس فيه خمسون لشيخ من المشايخ الكبار، ولا يقوم طالب العلم معهم؟! ليس بالصحيح.
ولـ ابن تيمية إشارة إلى هذه المسألة وأن حق المسلم مقدر، وأن المسائل المرجوحة هذه قد يكون المرجوح أعظم في بعض المناسبات -مثلاً- في المسجد إذا أتت محاضرة أتينا لبعض المشايخ في بعض المحاضرات والصف الأول فيه شباب، قلت: يا أخي! من فضلك مشايخ وضيوف أتوا قال: من العصر وأنا هنا، ما أقوم من هنا أبداً قلت: يا أخي! بالتي هي أحسن، قال: ولا أقوم، فجعلنا بعض الضيوف في الصف الثاني، انظر إلى الشكل والمظهر.
كذلك كثير من الشباب لا يعطي المشايخ الكبار قدرهم كالتقبيل على الرأس -لا تظنوا سوء نحن كلنا شباب، لكن أقصد العلماء الكبار- يقبل أحدهم على رأسه ويحترمه وألا تتكلم بين يديه.
من سوء الأدب أن تعرض المسألة في المجلس وفيه من هو أعلم منك، فلا تتلكم حتى يتكلم هو، ويقفز لك شاب من الثانوية بينما المشايخ موجودون، قال: الذي تطمئن إليه نفسي في هذه المسألة بعد ما رجعت إلى ابن تيمية وابن القيم أن فيها كذا وكذا، هذا لو سكت ولو مات كان أحسن، ثم الناس لن يقبلوا بكلامه أولاً، والأمر الثاني: أنه تعدى على حرمة ومكانة هؤلاء، وقس على ذلك.
أيها الإخوة الكرام: المقصود من هذا كله أن نكون متزنين في حركاتنا وسكناتنا ولا تأتي هذه إلا بتربية، وأرى أن أحسن ما يربي بعد تدبر كتاب الله عز وجل مطالعة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتراجم العلماء، وأنا أرشح سير أعلام النبلاء للذهبي أن تتأملوا آداب العقلاء والفطناء والعلماء حتى يعرف الشاب كيف يتعامل مع الناس، كيف يزور وكيف يجلس، العقل، الأدب، الهدوء، الاتزان، حسن التصرف.
أنا أذكر لكم مثلاً حياً: قبل البارحة اتصل بنا شاب -والمؤذن يؤذِّن- يسألني في مسألة، فلم يجد من أربعة وعشرين ساعة إلا وقت الأذان يقول: ما رأيك في نزيف الأنف، يفطر أم لا؟! فلا بد أن يعرف الإنسان كيف يتصل، ومتى يزور ومتى يأتي.
إنسان يزورك قبل صلاة المغرب، ويوقفك عند الباب، وتقول تفضل ويقول: لا أنا مستعجل، فلماذا توقفه الآن في هذا الوقت، أو إنسان يتصل بك مع الأذان، أو عند النوم في الهاتف، لا بد أن يكون الإنسان محافظاً على نفسه ويعتني بتصرفاته، وبزياراته وباتصالاته، وقد كررت كثيراً.
مما يقول الإنسان من كثرة الإحراج الذي يواجهه من الشباب أن لو كان ذلك من العامة والجهلة لكانوا معذورين، لكن ما بالك بهذه الصفوة المختارة، النخبة التي تربي الناس فتأتي منهم هذه الأخطاء.
على كل حال أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وأن يزيدنا وإياكم بصيرة وتقوى، وهداية، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأن ينفعنا بما سمعنا، وأكرر شكري لكم، ونطلب منكم الدعاء في ظهر الغيب، وصلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً.