[مواقف السلف في التزود للآخرة]
أتدرون كم كان الإمام أحمد يصلي من غير الفرائض؟ يقول الذهبي وابن كثير وصاحب الحلية وهو شبه إجماع بين أهل السير: كان يصلي من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة، وهو إمام أهل السنة والجماعة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤] قال ابنه عبد الله: فلما جلد أبي كان يصلي مائة وخمسين ركعة.
رحم الله الإمام أحمد وجمعنا به في دار كرامته فهو إمام أهل السنة والجماعة، ذاك الرجل الذي وقف في وجه الباطل حتى نصره الله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله!
سئل ابن تيمية في المجلد العاشر من الفتاوي: ما هو أفضل عمل بعد الفرائض؟ -سأله أبو القاسم المغربي - فأجاب بجواب عظيم وقال: أما أفضل الأعمال بعد الفرائض فما أعلم أفضل من ذكر الله عز وجل.
وهو شبه إجماع بين أهل العلم، وهذا الذكر هو أسهل الأعمال وأيسرها وأنفعها للعبد {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] ودل عليه القرآن والسنة والأثر قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:٤١].
ويقول عليه الصلاة والسلام عند أحمد وأهل السنن: {ألا أنبئكم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: ذكر الله} فهو أفضل الأعمال.
فناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متا
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
والذكر يكون بالتهليل والتسبيح والتحميد والاستغفار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعظم الذكر تلاوة القرآن.
وأما بالنسبة للذكر الكثير المذكور في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:٤١] فقد قال ابن الصلاح: ذكر الله دائماً هو الذكر الكثير، وقال ابن تيمية: من ذكر الله بالأذكار الشرعية التي علمها معلم الخير عليه الصلاة والسلام فقد ذكر الله كثيراً، وقال ابن عباس: أن تذكر الله في السراء والضراء، والحل والترحال - (أو كما قال) -.
وأولى الأقوال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ ابن بسر لما قال له: {يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي؛ فدلني على شيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} فالله الله في كثرة الذكر، والله الله في التزود بالصالحات للقاء الله عز وجل.
ومما يجعلك تعيش هذه القضية الكبرى (الطامة الكبرى): قصر الأمل، بأن تكون قصير الأمل، وأن تستعد للموت كما مثله الحديث: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وقال ابن عمر -وبعض المحدثين يرفعونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم-: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح]].
يذكرون عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: [[والله ما نقلت قدمي من الأرض إلا خشيت ألا أضعها من فجاءة الموت]]-أو كما قال-.
وقالوا عن الربيع بن خثيم أنه قال: [[أنا أتحرى الموت مع الأنفاس]].
ولما بلغ سفيان الثوري الستين اشترى كفناً وقال: "حق على المسلم إذا بلغ ستين سنة أن يشتري له كفناً" {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:٣٧] قالوا: النذير هو الشيب، وقيل محمد، وقيل القرآن، وقيل النذير الموت، ولكن الشيب هو نذير للموت
إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها
وكثرت من مرض عوادها فهي زروع قد دنا حصادها
يقول الإمام أحمد: والله ما وصفت الشباب وفواته إلا بشيء كان في يدي ثم سقط
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
اللهم تولنا فيمن توليت، واجعل خاتمتنا في مرضاتك وعلى سنة رسولك عليه الصلاة والسلام.