للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تلاوة القرآن]

وأعظم طاعة -يا أيها الإخوة- بعد الفرائض هي: تلاوة القرآن، قلت وأسلفت: القرآن يحب رمضان وهو شهر القرآن.

كان الإمام مالك إذا دخل رمضان أغلق على كتبه وأتى بالقرآن ففتحه.

وكان السلف يجلسون في المسجد بعد الصلوات يقرءون في كتاب الله حال مرتحل، كلما انتهى من سورة الناس عاد من أول القرآن:

سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى

فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأكوان نملؤها أجرا

ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:٨٢] وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] وقال تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:٢٩].

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {كان رسول الله أجود الناس -هذا موجز والتفصيل سوف يأتي- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان} فهي أمة عربية تفهم، أمة عاشت القرآن، ومزقت بين يدي القرآن لترفع القرآن، لكننا لَمَّا بعُد بنا الحال أصبحنا نقرأ القرآن فلا نعي كثيراً منه، وكان الأعرابي يهتز من سماع القرآن.

فهذا جبير بن مطعم القرشي أقسم باللات والعزى أنه لا يدخل في الإسلام، وحاول المسلمون معه ودعوه، فأقسم وصمم ألاَّ يدخل في الدين، لكن هذا القرآن أقوى من كل شيء، فهو يخترق الصوت والزجاج، يدخل القلوب التي هي أقسى من الحديد، قام عليه الصلاة والسلام يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:١ - ٢] وجبير بن مطعم خارج المسجد فسار الصوت حتى دخل أذنه وقلبه، والقرآن لا يمانع، من يستطيع منكم وهو يعي هذا القرآن أن يقول: هذا كلام بشر؟ فسمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {* * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور:٣٦ - ٣٨] من يقول: إنه قول بشر؟ أتى يشق الصفوف حتى أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.

قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان} فلن تجد أجود من محمد عليه الصلاة والسلام، وما كعب بن مامة وأجواد العرب عنده.

خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

والله لا يبلغون عشر معشار جوده صلى الله عليه وسلم: {وكان أجود ما يكون حين يلقاه جبريل في رمضان ويدارسه القرآن} وهذه عبارة لا بد أن نتأملها وأن نتأنق في معناها، كيف يدارسه؟ يجلس جبريل هنا ومحمد هنا عليهم السلام، فيدرس هذا على هذا وهذا على هذا: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة}.

وقد ذكر ابن حجر في ترجمة الشافعي أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وهذا سنده جيد إلى الشافعي، ولا يستغربن منكم مستغرب، يقول: يختمه في الليل مرة وفي النهار مرة، وهل هذا هو السنة؟ أنا لا أقول بذلك، لكن أورده إلى الإمام الشافعي من باب شحذ الهمم، وليست المسألة بالكثرة، بل المسألة بالتدبر والتمعن.

فهذا القرآن موسمه هذا الشهر، لمن أحب أن يتزود من تلاوته، يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} وفي ترجمة عبد الله بن عمرو الأنصاري -وهو غير عبد الله بن عمرو بن العاص - أنه لما دفنه صلى الله عليه وسلم، وقف على قبره وقال: {رحمك الله! لقد كنت تَلاَّء لكتاب الله} ووقف على ذي البجادين فذكره بذلك عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>