[عاقبة مجالسة أهل الأهواء]
وأتى عمران بن حطان وكان عنده علم، وهو شاعر الخوارج، وهو الشاعر القوي في شعره، وكان شعره من الشعر الخالد، ذهب إلى الخوارج لينصحهم وقال: أتزوج منهم امرأة عليَّ أؤثر فيهم وأردها وأرد أهلها إلى مذهب أهل السنة، فردته إلى مذهب الخوارج، وهو الذي يقول في قصائده الجميلة:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها
أي: الدنيا
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوّع
أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع
وله من القصائد أخرى، لكن قصائده بعد أن تحول إلى مذهب الخوارج كانت سيئة وظالمة وآثمة كقوله لما قتل ابن ملجم علياً رضي الله عنه يمدح ابن ملجم يقول:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه من خير خير عباد الله ميزانا
فرد عليه شاعر أهل السنة فقال:
يا ضربة من شقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا
إني لأذكره يوماً فألعنه وألعن الكلب عمران بن حطانا
فاستوى البيت وركب هذا البيت وأحسن شاعر أهل السنة.
وبعضهم دخل ليرد على الشيوعية فألحد والعياذ بالله، ككاتب من القصيم، وهو عبد الله القصيمي، وقد كان ذكياً لماحاً له كتاب صراع بين الإسلام والوثنية، أراد أن يرد على الشيوعيين الكادحين في عدن، ويرد على نظرية كارل ماركس، فالعياذ بالله اطلع على كتبهم فألحد، وخرج من القصيم وهو الآن يقيم في القاهرة وعمره ما يقارب ثمانون سنة، ملحد لا يصلي ولا يسجد، ويكفر بالمصحف ويسب الدين وأهله، وله كتب في ذلك، قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:٢٣] وقد ناداه العلماء وخاطبوه واتصلوا به وكاتبوه، لكن طبع الله على قلبه والعياذ بالله، فهو في الثمانين فما اهتدى {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:١١٩] قال بعض أهل العلم: هذه لأهل الأهواء.
فإن بعض الناس إذا حضر مجالس أهل الخير تمظهر بأنه من أهل الخير وناقش معهم المسائل العلمية، وأظهر لهم حب السنة فإذا خلا مع الشياطين من الإنس سب أهل الخير وأهل العلم وأهل الدعوة فهو من جنس هؤلاء: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:١٤ - ١٥] وقد دل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر أبو داود وأحمد بأسانيد صحيحة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {من سمع بالدجال فلينأَ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث من الشبهات، وفي لفظ: مما يرى من الشبهات} فالدجال من سمع به فلينأ عنه، ليبتعد وليفر عنه، ولا يثق بإيمانه، فإن الدجال يشبه على الناس، حتى إنه يأتي إلى الخربة فيقول: أخرجي كنوزك فتخرج بإذن الله كنوزها، ويقول للسماء: أمطري فتمطر، ويضرب الرجل ويشقه نصفين ويحييه بإذن الله، وهذه فتنة.
وكذلك قال أهل العلم: كل من صار على منهج الدجال؛ فالواجب على الإنسان أن يبتعد عنه وأن يتجنب الجلوس معه.
وقد رأيت بعض الناس تأثروا ببعض الكتابات وببعض الأشرطة التي نشرها بعض العلمانيين حتى إنه عنده علم وعنده سنة وعنده خير كثير فشبه عليه خاصة فأصبح يصدقهم ويرتاح لهم، وأصبح يشكك في الخير الذي يحمله أهل الخير.
قال أهل العلم: وعلى المسلم ألا يناظر هؤلاء إذا علم منهم الهوى.
كما قال بعضهم: "كلامهم ألصق من الجرب وأحرق للقلوب من اللهب"، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى مالوا إليهم.
وذكر أن محمد بن السائب كان من أهل السنة فقال: نذهب ونسمع من هؤلاء شيئاً؛ فما رجع حتى أخذ بها وعلقت بقلبه والعياذ بالله.
ذكر ذلك بعض أهل العلم في كتبهم قالوا: والهوى كل ما خالف الحق وللنفس فيه حظ ونصيب ورغبة، فيميل بصاحبه إلى الشهوة والشهرة وحب الظهور، وإلى الانصراف عن الحق والعياذ بالله.