[المعتصم العباسي]
المعتصم الخليفة العسكري العباسي، فاتح عمورية، مدمر الروم الذي أحرق جيوشهم فقال أبو تمام:
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب
المعتصم الذي كان المصحف دائماً في حضنه.
ولا بأس أن أورد القصة باختصار حتى نعرف كيف كنا نغضب للا إله إلا اله إذا انتهكت، كنا نعيش للا إله إلا الله، كنا نموت من أجل لا إله إلا الله.
ذهبت امرأة مسلمة تبيع الثياب وتشتري إلى عمورية في بلاد الروم، والبلاد بلادٌ كافرة، فبسطت بضاعتها في السوق ضحى، وهي إمرأة غريبة بين قومٍ كفار؛ مثلما تذهب المرأة المسلمة اليوم إلى بريطانيا أو أمريكا أو إسرائيل، وبينما هي تبيع وتشتري أتى رجل كافر، فربط ثوبها بحجيزتها أو برأسها؛ فقامت فتكشفت عورتها فصاحت بأعلى صوتها في السوق وامعتصماه، وامعتصماه، وامعتصماه! تقول: أين الخليفة المعتصم عن هذا الأمر، أيرضى أن تنتهك حرمتي، وأن يؤخذ عرضي في السوق؟! أيرضى وهو خليفة للمسلمين أن يفعل بي هذا، فضحك الرومي الذي فعل هذا وقال: انتظري المعتصم حتى يأتي على فرسٍ أبلقٍ، وكان مستبعداً الرد، فسمع رجل مسلم في السوق هذا الصراخ العجيب الذي يدخل إلى القلوب ويقرع الأرواح.
وانطلق وركب البحر، ووصل إلى المعتصم في دار الخلافة في بغداد دار السلام، ودخل على المعتصم وكان عسكرياً قوياً متقياً لله.
فأتى هذا الرجل المسلم الذي سمع المرأة الصارخة المستنجدة بـ المعتصم بعد الله، فدخل عليه وقال: كنت يوم كذا وكذا في عمورية، ووقع للمرأة المسلمة تلك كذا وكذا فقالت: وامعتصماه، فضحك منها الروم وقالوا لها: انتظريه على فرسه الأبلق حتى يأتيك ينصرك، فقام المعتصم من على مجلسه وكرسيه واقفاً.
فقال: والله الذي لا إله إلا هو لا يصيب رأسي غسلٌ من جنابة حتى أطأ أرضهم بالخيل.
ثم أعلن الاستنفار في العالم الإسلامي وقال: لا بد من كل بيت من المسلمين أن يخرج منهم مجاهد ومن تخلف يضرب عنقه، ثم توجه وجعل العلماء في قيادة الجيش يفقهون الناس، ومشى حتى وصل إلى عمورية، ثم قاتلهم فكان يفتح كل مدينة بلا إله إلا الله، فإذا فتح المدينة أحرق حصونها حتى أخذت تشتكي هذه المدينة على هذه المدينة، وترى هذه المدينة نار هذه المدينة، ثم دخل عمورية فطوقها حتى استسلم قوادها، وأنزلهم وقال: عليَّ بالرجل، والله لا أغادر مكاني حتى يأتيني الرجل الذي أساء لتلك المرأة، فأتوا بالرجل يسحبونه، فأوقفه عند المرأة فقال لها: هذا الرجل رقيق لك.
إن شئت أعتقتيه لوجه الله، وإن شئت فهو عبدٌ لك قالت: بل أعتقه لوجه الله.
قال المعتصم وقد انتحى: أنا المعتصم، وهذا فرسي الأبلق، وقد جئت أنصرها بلا إله إلا الله.
يقول أبو ريشة.
ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتَّمِ
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ
ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرمِ
أوما كنتِ إذا البغي اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دمِ
كيف أغضيت عن الظلم ولم تنفضي عنك غبار التهم
ما كأننا كنَّا أمة نفتح بلا إله إلا الله، ونقدم لا إله إلا الله، ولذلك المناسبة يوم يقول أبو تمام:
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب
إلى أن يقول في القصيدة:
تدبير معتصمٍ بالله منتقم لله مرتقبٍ في الله مرتغب
الشاهد أن هذا الخليفة لما حضرته الوفاة تذكر لقاء الله قال: أموت؟! قالوا: تموت اليوم، وهو شاب.
يظن بعض الناس أنه لا يموت حتى تنتهي فترة العمل، ويتقاعد، ثم يبدأ عملية الموت، ينظر إلى لحيته وهي سوداء.
قال: لا لن أموت، ما دامت اللحية سوداء، فلا يموت الإنسان.
لكن أفتى أهل العلم بالإجماع أنه يجوز أن يموت الإنسان وهو شاب، فيقول المعتصم: أموت اليوم.
قالوا: تموت فنزل من على سريره يبكي ويقول: والله لو كنت أدري أنني أموت في شبابي ما لهوت عن ذكر الله ساعة.
سبحان الله! ولا يتذكر هذا المصرع إلا عند سكرات الموت.