للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حفظ السنة النبوية]

السؤال

ما هو انطباعكم عن حفل السنة بـ القصيم؟

الجواب

حضرته والحمد لله، وكان من أسعد الليالي في حياتي ليلة حضرت ذاك الحفل البهيج، وخرجت منه بمسائل، وقد جلست مع حملة السنة -هؤلاء الحفظة- اليوم الثاني من العصر إلى صلاة العشاء في مجلس خاص، فاستفدت فوائد منها:

الأمر الأول: أن الهمة بالإمكان أن تطبع فتصبح طبيعة في حياة الإنسان، وأن الحفظ يمكن أن يطبع، وأن الهيلمان الذي وضع للحفظ، وأن الحفظ مع السلف فقط انتهى والحمد لله، وكسر تلك الليلة في بريدة، فقد رأينا ثمانية شباب يحفظ كل واحد منهم أربعة آلاف حديث، يحفظها كالفاتحة، ويبارونه ويسألونه ويخلطون عليه المخرجين والرواة، ويأتي بهم صباً صباً وتوكيداً توكيداً وحفظاً حفظاً، وهذا نبوغ والحمد لله.

الأمر الثاني: استفدت أن العمل المستمر هو الأثبت من المنقطع، فأخبرني أحدهم أنه كان يحفظ كل يوم صفحة، فأنا أرى أن من أراد أن يحفظ شيئاً فليحفظ كل يوم صفحة، حتى قالوا: كنا نحفظ يوم الجمعة، ونحفظ حتى في الأعياد، وكان أحدنا عنده امتحان اليوم الثاني، فكان يحفظ في اليوم الأول، من الحديث ويواصل هكذا.

استفدت أيضاً: أن على الأمة يجب أن تراجع موقفها من السنة المطهرة، فقد مر بها فترة من الفترات اعتنت بالقرآن وهذا هو الواجب وينبغي أن تزيد، لكنها أهملت جانب السنة حفظاً ومراجعة وتحقيقاً وتنقيحاً، فإن نَفَس الخوارج التركيز على القرآن وترك السنة، ونفس العصرانيين والعقلانيين أنهم يقولون: القرآن القرآن فقط، ولكنهم لا يأخذون بالسنة، حدثنا أحد المشايخ: أنهم دخلوا الحرم بعد صلاة الفجر، فقام أحد العصرانيين من بعض البلدان العربية، فتحلق الناس لما رأوه فكان يلقي كلمة، وقال: عليكم بالقرآن أيها الناس، فقام أحد الوعاظ في هذه الجلسة، وكان حاداً متحمساً مندفعاً، وقال: والسنة؟ قال هذا العصراني المتكلم: القرآن، قال الواعظ: والسنة، قال: القرآن القرآن، فقام هذا الواعظ المتحمس وفصفعه بعد صلاة الفجر، فقام الناس قسمين: البعض يمسك هذا، والبعض يمسك المضروب، فكأنه يعلمه بهذه الصفعة -وهذه من صفعات أهل السنة - أن هناك وحيين: {ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه} هناك قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهناك سنة مع القرآن تبينه: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:٤٤] أنت يا محمد! صلى الله عليه وسلم تبين للناس ما نزل إليهم.

فيجب أن نهتم بهذا وبهذا، أيضاً أرى أن من أراد أن يحفظ منكم لا يحفظ تخليطاً ولا سبهللا، يأخذ مختصراً مثل مختصر المنذري لصحيح مسلم، أو مختصر الزبيدي لصحيح البخاري، هذان المختصران مجيدان، وهنا كتابان: رياض الصالحين وبلوغ المرام، ولا يأتي الإنسان بوسوسات يقول: هؤلاء أوتوا عقولاً، لا.

ولكنهم شدوا من هممهم واستعانوا بالله وواظبوا ثم وصلوا.

رأيت في مذكرات مثل طه حسين هذا يقول: أنا رجل عادي لكن عندي همة، وابن الجوزي يقول عن نفسه:

لي همة في العلم ما مر مثلها وهي التي جلب البلاء هي التي

إلى آخر ما قال:

لو كان هذا العلم شيخاً ناطقاً وسألته هل زار مثلي قال لا

والسبب أنه بهمته وبأخذه على نفسه وصل، وما أنزل الله من السماء عباقرة لا يخطئون ولا يسيئون، لكن جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الأمة من يهتم ومن يحصل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>