للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اللعب واللهو]

ومن الظواهر اللهو واللعب في رمضان عند كثير من الشباب، فالآن يعلن عن دورات الرياضة المكثفة إعلاناً واستعداداً لشهر رمضان، استعداد رياضة لشهر رمضان حتى يقضى في الدورات، وأصلاً ما كان هذا إلا صدَّاً عن العبادة التي يريدها الله عز وجل وأنا أعرف من الشباب من يترك صلاة التراويح لأجل الكرة إلى السحر.

وأنا أقول: الكرة ليست حراماً إذا أتت بضابطها الشرعي وأصلها الجائز في سنة محمد عليه الصلاة والسلام الموافقة للنصوص، ولكن أمة محمدية تلعب الكرة من العشاء إلى السحر، أمة تريد رضوان الله تبقى مع الكرة ومع الأهداف والمرمى والأشواط إلى السحر، شباب يراد منهم أن يكونوا حملة القرآن والرسالة والنصر لهذه الأمة ودعاة وعلماء يبقون أربع ساعات مع الغبار ومع الخسران والدمار والعار، فيأتي أحدهم يصلي الفجر وقلبه كالحجر من لعب الكرة، يقرأ الإمام والبعض منهم لا يدري في أي سورة، ملطخ بالتراب على وجهه وأذنيه ثم ينام نومة أهل الكهف إلى صلاة الظهر، فأين الإيمان؟! وهل هذه أسرار الصيام؟! وقد كان الصحابة كما قال ابن القيم:

في الليل رهبان وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الفرسان

إي والله! في الليل رهبان، كانت مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام عاصمة الإسلام تتراد بصوت القرآن والتلاوة الحية، وكانت نسمات القرآن عابقة، وكان محمد عليه الصلاة والسلام يمر فيسمع دوي القرآن، واسألوا تفسير ابن أبي حاتم والعجوز تقرأ قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] فيسمعها النبي صلى الله عليه وسلم ويبكي ويقول: {نعم أتاني، نعم أتاني} اسألوا صحيح البخاري فهذا أبو موسى يقرأ في البيت أو في المسجد وقد أوتي مزماراً من مزامير آل داوُد فيعيش معه محمد عليه الصلاة والسلام.

ولكن تعال اليوم واهبط إلى الأسواق واسمع ما يدار من نغمات، وموسيقى، وغناء ماجن، وتمثيليات فاسقة، يستحي الشيطان أن ينظر إليها، وكلمات بذيئة ربتها العلمنة، وفحش في القول والفعل، وخروج على مراسم الشريعة من بعض الناس، فمتى كانت المرأة المسلمة المتحجبة تجوب الأسواق؟! ومتى كانت تعرض نفسها على الخياط السيخي والزنديق؟!

إن هذا حصل يوم انطفأت معالم الرسالة، وأصبحت الأمة لاعبة، فأصبحت أمة بلوت وتريد النصر، لكن النصر على من؟! فإسرائيل أربعين سنة تهاجم العالم الإسلامي، وَعددنا مليار لكن مثل الخفافيش، والأصفار على اليسار:

عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا

وأخبر بذلك محمد عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {قالوا: أمِنْ قلة يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل} فالشاب عمره ثلاث عشرة سنة ويحفظ ثلاث عشرة أغنية، ولكنه يخطئ في سورة المسد، يقدمونه يصلي بالناس فيقول: لا.

لا تحرجوني بدون إحراج، لكنه في الكرة وفي البلوت وفي حفظ الأغاني جيد.

وأسامة عمره ثلاث عشرة سنة، ويتولى جيشاً فيه عمر وعثمان وعلي، ثم يأتي على فرسه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ليودعه أبو بكر وأبو بكر آخذ بلجام الفرس، والفرس كأنه طائرة، وأسامة كأنه أسد على الفرس، فأراد أسامة أن يهبط ليركب الخليفة، فقال أبو بكر: [[والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله؟]] فكأن أبا بكر ما اغبرَّت قدمه قبلها، والله إنها اغبرَّت قدمك منذ أسلمت، لكن نحن متى اغبرَّت أقدامنا؟ ولقد غبرنا أيادينا في الأرز والكبسات، يقول الأول:

سل الرماح العوالي عن معالينا واستشهد البِيْض هل خاب الرجا فينا

فقال الأخير:

سل الصحون التباسي عن معالينا واستشهد البَيْض هل خاب الرجا فينا

غفرانك يا رب! لكن هذه الطلعات والإشراقات، وهذه الصحوة المباركة هي من تلك السلالة العظيمة من سلالة أبي بكر ومن عرين عمر ومن مدرسة أسامة:

لكن أبشر هذا الكون أجمعه أنا صحونا وسرنا للعلا عجبا

بفتية طهر القرآن أنفسهم كالأُسْد تزأر في غاباتها غضبا

عافوا حياة الخنى والرجس فاغتسلوا بتوبة لا ترى في صفهم جنبا

فالذي يسجد هنا هو الذي انتصر على العمالة والعلمنة والحداثة، وانتصر على الإلحاد والشهوة، لأنك مهاجم من كل جهة، ولكن سجدتك هنا انتصار لك، ومن لا يسجد لله فإنه يسجد لجزمته ولطاغوته وشهوته، والله المستعان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>