للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعريف الظلم وأقسامه]

صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}.

أولاً: في هذه الكلمة ثلاث قضايا:

القضية الأولى: من الذي حرم الظلم على الله؟ وهل تقع الأحكام على الله؟ وهل يجب عليه شيء ويحرم عليه شيء ويجوز له شيء، ويستحب في حقه شيء؟

القضية الثانية: ما هو الظلم؟ وما هو حده، وتعريفه؟

القضية الثالثة: ما هي أنواع الظلم؟

أما قوله سبحانه وتعالى: {إني حرمت الظلم على نفسي} فهذا التحريم عند المحققين من أهل السنة والجماعة هو تحريم أورده الله على نفسه ولم يورده أحد من الناس جل الله عن ذلك وتعالى الله علواً كبيراً، فالله له أن يوجب على نفسه شيئاً وأن يحرم شيئاً، وأن يحبب شيئاً وأن يكره شيئاً، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: {أتدري يا معاذ! ما حق الله على العباد وحق العباد على الله؟} قال ابن تيمية: هذا حق أوجبه الله على نفسه ولم يوجبه أحد من الناس، إذاً فهو الذي حرم الظلم على نفسه، ولم يحرمه أحد من الناس، جل الله أن يحرم عليه أحد من خلقه أو يشرع بين يديه أو يتفتى في أوامره وشرائعه وفرائضه وسننه.

أما الأمر الثاني: بالنسبة لتعريف الظلم وحده:

الظلم عند أهل اللغة: وضع الشيء في غير موضعه، وعند أهل الأصول: هو عبادة غير الله تبارك وتعالى، أهل الأصول أعني بهم أهل الإسلام من أهل السنة والجماعة، قال سبحانه وتعالى على لسان لقمان لابنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٢ - ١٣] فالشرك ظلم، والظلم عند أهل الأصول هو عبادة غير الله أو الشرك مع الله أو الإشراك مع الله إلهاً آخر، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].

وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: {لما نزل قوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! وأينا لم يظلم نفسه! قال عليه الصلاة والسلام: إنه ليس الذي تريدون، أما سمعتم قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]} فالحمد لله، فما دام أن الظلم في الآية هو الشرك، فيتخلف كثير من الناس من مغبة هذا الظلم لأن المشركين في أهل السنة والجماعة قليل إن شاء الله.

أما الأمر الثالث: وهو أقسام الظلم فهو على أقسام متعددة:

الأول: ظلم العبد لربه.

الثاني: ظلم العبد لنفسه.

الثالث: ظلم العبد لإخوانه.

أما الظلم الذي هو ظلم في جانب المولى تبارك وتعالى فهو أن تعبد غير الله، ولقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنوب، وهذا في الصحيحين عن ابن مسعود قال: [[أن تجعل لله نداً وهو خلقك-أو وقد خلقك-]].

وظلم العبد لنفسه: ويدخل في ذلك الشرك والمعاصي؛ كبيرها وصغيرها، جليلها وحقيرها، كل معصية فهي ظلم بحسبها على العبد.

وأما ظلم العبد لإخوانه فهو أن يأخذ من حقوقهم أو أعراضهم أو أموالهم أو دمائهم، ولذلك ذكره سبحانه وتعالى لأنه أكثر ما يقع الناس فيه، وهو مستساغ لدى النفوس والقلوب.

ثم قال: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً} في أي كلام حرم الله الظلم؟ في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:١٠٨]، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦] هذه الآيات {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:١١٧]، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:٤٠] هذه الآيات وأمثالها معناها أن الله عز وجل كتب على نفسه ألا يظلم أحداً.

وورد في القرآن: الهضم والظلم، فما هو الهضم؟ وما هو الظلم؟ الظلم: هو أن يؤتى بسيئات غيرك فتوضع عليك، والهظم: هو أن يقلل من حسناتك وتذهب حسناتك شذر مذر، فالله لا يظلم ولا يهضم، لا يسلب من حسناتك ولا يعطيك من سيئات غيرك {فلا تظالموا} و {الظلم ظلمات يوم القيامة} كما في الحديث الصحيح والظلم قطيعة بين العبد وربه، والظلم أول ما عصي الله به في الأرض، فقد ظلم قابيل هابيل ابني آدم، فوقع الظلم في الدنيا، وقد ذكر أهل العلم قصصاً من الظلم، والظلم -أيها الإخوان- ينافي العدل والسلام والخير، كما أنه نهى عنه صلى الله عليه وسلم كلما أرسل رسولاً من أصحابه.

جاء في الصحيحين من رواية ابن عباس لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال: {وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وفي السنن في الحديث الحسن قال صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا ترد دعوتهم: -ومنهم- والمظلوم يرفع الله دعوته فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}.

سجن هارون الرشيد أبا العتاهية الشاعر وكان مظلوماً فأرسل له رقعة يقول فيها:

إلى الديان يوم العرض نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

فأخرجه وبكى هارون الرشيد من هذه الرقعة.

والظلم -كما قلت لكم- وضع الأمور في غير مواضعها، أتى ابن هاني الشاعر الفاجر الأندلسي فقال لأحد السلاطين:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

سبحان الله!

فابتلاه الله بمرض -فعقوبة الظالم تقع في الدنيا- حتى كان يتململ ويعوي وينبح كالكلب على فراشه وأخذ يبكي ويخاطب رب العزة ويقول:

أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق

لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق

وهذا جزاء من ظلم عباد الله.

ذكر ابن كثير والذهبي في السير أن أحد السلاطين قدم عليه عالم من العلماء، فتقدم هذا العالم فقال كلمة الحق عند هذا السلطان، وقد صح بذلك الحديث: {أفضل الحهاد كلمة حق عند سلطان جائر} والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان ظالم فقال كلمة حق فقتله} فقام هذا العالم أمام هذا السلطان، فتكلم أمامه، فغضب السلطان فضربه على وجهه كفاً حتى أجلسه، فقال العالم: قطع الله يدك، فما مضى عليه شهر إلا وأخذ وعزر وقطعت يده وعلقت بباب الطاق في مدخل بغداد.

وذكر الذهبي وابن كثير في ترجمة ابن الزيات الوزير العباسي الذي شارك في الحلف الابتداعي ضد إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل صاحب التوجيه والتربية والهدى المستقيم، فكان ابن الزيات يستهزئ بتعاليم أهل السنة وشارك في سجن الإمام أحمد، فكان الإمام يدعو في الثلث الأخير من الليل ويرفع يده إلى الحي القيوم على ابن الزيات يقول: اللهم احبسه في جسمه، قال الذهبي: فأصيب ابن الزيات في جسمه فشلَّ جسمه وأدخله الواثق في فرن وعذبه فأخذ يزوره علماء أهل السنة بعد موت الإمام أحمد، قالوا: والله ما زرناك عواداً ولكن أتيناك شامتين، أتينا نشمت بك، يا أيها المبتدع الضال، يا رأس العمالة والضلالة، لقد أصابتك دعوة إمام أهل السنة والجماعة.

وأما أحمد بن أبي دؤاد القاضي المبتدع، الذي يقول عنه الذهبي: أحمدنا: أحمد بن حنبل وأحمد أهل البدعة: أحمد بن أبي دؤاد القاضي والوزير الكبير، فدعا عليه الإمام أحمد أن يعطيه الله أول جزاءه في الدنيا، فشل نصفه والنصف الآخر بقي مرتعشاً يقول: والله لو قرض نصفي بالمقاريض ما أحسست، ولو وقع الذباب على النصف الآخر لكأن القيامة قامت عليّ.

إن الظلم شأنه عظيم يوم يظلم الظالم فلا يجد له ناصراً ولا ولياً من دون الله، والظلمة على مر التاريخ كثيرون، ومن أعظم من ظلم أهل المبادئ والأسس وأهل الأهداف والدعوات، وعلى رأس القائمة سعيد بن المسيب، طالب منه بنو أمية أن يبايعهم ليكون الملك وراثياً فرفض وقام في وجه هذا، وأنكر البدع المضللات في المدينة، فجلد مائة جلدة، على ماذا؟ وحمل على جمل وطيف به في المدينة عجيب!! أسعيد بن المسيب سعيد الزهد والحديث والعبادة يحمل على جمل؟! أفجر أم سرق أم شرب الخمر؟! أسكر وانتهك المحرمات؟! لا والله.

حمل على جمل وطيف به في المدينة.

علو في الحياة وفي الممات بحقٍ أنت إحدى المعجزات

كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات

كأنك واقف فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة

فبقي اسمه مسجلاً في سجل الخالدين وورثة الأنبياء والرسل.

ومن الظلم الذي تعرض له أرباب الدعوات الأصيلة والأهداف الجليلة: سعيد بن جبير ما أخذ مالاً ولا سفك دماً ولا اعتدى على فرج حرام، ولا انتهك المحرمات، لكنه يريد أن تبقى لا إله إلا الله محمد رسول الله عالية فوق الرءوس، استدعاه الحجاج، واسمعوا للمناظرة الحارة بين هذا العالم والفاجر السفاك الحجاج.

يقول الذهبي في ترجمة الحجاج: نبغضه ونعتقد أن بغضه من أوثق عرى الدين، يقول في السير: له حسنات لكن انغمرت حسناته في بحار سيئاته.

وذكر في تحفة الأحوذي للمباركفوري المناظرة الحارة بين هذا العالم وهذا السفاك، فقال: دخل سعيد بن جبير على الحجاج فقال له: ما اسمك؟ سبحان الله! لا تعرف اسم سعيد بن جبير الذي تلألأ به البخاري ومسلم، والترمذي وأبو داود والمسند؟! لا تعرف اسماء الخالدين الذين سجلت أسماؤهم في صفحات من نور في الصدور؟!

من تلظي لموعه كان يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى

قال: ما اسمك؟

قال: اسمي سعيد بن جبير.

قال: بل أنت شقي بن كسير.

قال: هكذا سمتني أمي.

قال: شقيت أنت وشقيت أمك.

قال: الشقي من شقي في بطن أمه.

قال الحجاج: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى.

قال سعيد: لو كان ذلك عندك لاتخذتك إلهاً من دون الله.

قال الحجاج: علي بالعود، فأتي بعود وجارية فضرب العود والناي في مجالس اللاهين اللاغين الذين لا يعرفون القرآن ولا يعرفون حدثنا، ولا يعرفون الكلام الذي يرسخ في القلوب ويغرس في النفوس، غنت الجارية واندفعت تغني والعود يضرب فبكى سعيد قال الحجاج: أهو الطرب؟

قال: لا والله.

ليس بالطرب، لكن جارية سخرت في غير ما خلقت له، سبحان الله! الجارية خلقت لتعبد الله فسخرت للغناء، وعود قطع من شجرة في غير ما خلق له.

قال الحجاج: عليّ بالذهب والفضة، فأتي بالذهب والفضة فنثر بين يدي سعيد، أسعيد بن جبير يريد ذهباً وفضة؟ أيريد دراهم ودنانير؟ لا.

إنه يريد رضا الله وجنة عرضها السموات والأرض، فنثر الذهب والفضة، وقال: خذ من هذا.

قال سعيد: يا حجاج! إن كنت أخذت هذا لتتقي به من غضب الله ومن نار أعدها الله لأعدائه، فقد والله أحسنت، وإن كنت أخذته للدنيا فهو متاع قليل، عما قليل يفارقك وتفارقه.

قال الحجاج: يا سعيد! اختر أي قتلة تريد، فوالله لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس.

قال سعيد: -وهو يتبسم- يا حجاج! اختر لنفسك أي قتلة تريد أن تقتلني، فوالله الذي لا إله إلا هو لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.

قال الحجاج: خذوه إلى غير القبلة.

قال سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥].

قال: أنزلوه إلى الأرض.

قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:٥٥].

قال: اذبحوه.

قال: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، اللهم لا تسلط الحجاج على أحد بعدي.

سمع أهل الإسلام بمقتل سعيد بن جبير فاهتزت الدنيا، وقامت المساجد تصلي عليه، مولى من الموالي لكنه صاحب علم وزهد وعبادة وتوهج وتربية، وقيام ليل وإخلاص، فلما قتل قام الحسن البصري أو غيره فاستقبل القبلة، وقال: يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، يا قاصم الجبابرة! اقصم الحجاج، يا قاصم الجبابرة! اقصم الحجاج، فأخذ الحجاج بعد مقتل سعيد بن جبير شهراً يخور كما يخور الثور، يقول: والله ما مرت عليّ ليلة من الليالي إلا كأني أسبح في دمه، والله ما مر عليّ ليلة إلا كأن القيامة قامت، وقد رأيت عرش الله بارزاً للناس، وقد قتلني بكل إنسان مسلم قتلته مرة إلا سعيد بن جبير فقد أوقفني الله على الصراط فقتلني به سبعين مرة.

{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم:٤٢ - ٤٧].

الظلم ظلمات يوم القيامة، وقد حدث الظلم في تاريخ الإنسان، قال ابن تيمية: إن الله ينصر من يعدل ولو كان كافراً، وإن الله يخذل من يظلم ولو كان مؤمناً، والظلم ظلمات بعضها فوق بعض، يقول المتنبي ولكن لا نوافقه:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم

فيقول: من الناس ظلمة، لكنه يحبن عن الظلم لأنه لا يستطيع الظلم، لكننا نقول له: ويحك! أتعارض النصوص يا متنبي بقصائدك؟! وقد علمنا أن في الناس عدول ونفوسهم مجبولة على العدل، وقد جاء في حديث يقبل سنده التحسين: {والمقسطون على يمين الرحمن تبارك وتعالى الذين يعدلون في أهليهم، وما ولوا} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والعدل على ثلاثة أقسام:

الأول: عدل في الاعتقاد.

الثاني: عدل في القول.

الثالث: عدل في العمل.

فأما عدل الاعتقاد فهو أن تعتقد أن لا إله إلا الله، وتؤمن بما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والعدل في الأفعال أن تكون أفعالك مطابقة لأفعاله صلى الله عليه وسلم.

والعدل في الأقوال أن تكون صادقاً ناصحاً مخلصاً، هذا هو العدل.

{يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا} والظلم كما أُسلف وقع كثيراً في تاريخ الإنسان، ولكنه يحتاج إلى تبسيط في دروس ليبين أنواعه وأقسامه، حتى يحذر منه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>