[الله جل وعلا ينجي موسى عليه الصلاة والسلام]
وصل إلى البحر، والتفت وراءه فإذا جنود فرعون كالجبال، قال ابن جرير وغيره: أتى فرعون بما يقارب ألف ألف، وقيل: ستمائة ألف من الجيوش، وموسى يلتفت وإذا وراءه الخوف والقتل والدمار والنار والذبح، فإذا أمامه موج البحر كالجبال فيقول بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١].
فيأتي الرجل الذي عرف الله في الرخاء ليعرفه في الشدة ليقول: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢] كلا.
أنا أعرف الله في الرخاء يعرفني في الشدة، كلا.
لن أهزم اليوم؛ لأني حفظت الله في الرخاء، حفظت سمعي وبصري، وحفظت قلبي وبطني، حفظت يدي وفرجي، وحفظت إرادتي، وحفظت رجلي:
لعمرك ما مديت كفي لريبة وما حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني فكري إليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله إلا قد أصابت فتىً قبلي
فتضايق بين الجيش وبين البحر، فأوحى الله إليه أن اضرب البحر، عصاً قصيرة وقلة بصيرة ولكن الله هو المدبر، فضرب البحر فانفلق اثنتي عشرة طريقاً، فسلك الطريق، ونجاه الله، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
وأتى الذي ضيع الله في الرخاء فرعون المجرم السكير العربيد الدجال الذي ضيع الله في الرخاء أتى ليجرب في الشدة، مثل ما يفعل كثير من الشباب، ومثل ما يفعل كثير من الناس، وقت الرخاء لعب وغناء ومجلة خليعة وتخلف عن الصلوات الخمس، وجلسات تغضب المولى، جلسات حمراء، وساعات أليمة مظلمة، تخلف عن الصلاة، هجر للمسجد، إدبار عن تدبر القرآن، قسوة قلوب، كذب، عقوق، وقطيعة رحم، ثم يأتون ليجربوا حظوظهم في الشدة، إذا أصيب أحدهم بحادث انقلاب أو صدام أو مرض عضال، وجيء به فوق السرير الأبيض قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠].
فأتى الدجال فرعون فلما امتلأ بطنه طيناً وأصبح يغرغر كالضفدع في الماء قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠].
فيقول الله له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٩١] تؤمن الآن؟ أما تعرف أن من يعرف الله في الرخاء يعرفه في الشدة؟ ما هذه التوبة؟ إذا بلغت الروح الحلقوم قلنا: تبنا! إذا تكسرت ظهورنا وأصبحنا على الأسرة البيضاء في المستشفيات قلنا: تبنا! إذا كسرت رءوسنا تحت عجلات السيارات قلنا: تبنا! إذا أصابنا داء عضال وأصبحنا نستنشق الماء قلنا: تبنا؟ تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٩١] لا.