[ذكر الله]
ومنها -يا أيها الإخوة- الذكر والتسبيح، فإن القلوب تمرض وتقسو وتصبح بعيده حتى يذوبها ذكر الله، فإذا مرضت فلا علاج لها إلا ذكر الله ولا يصرف العلاج إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس
{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].
فيا أهل الزجل المحبب إلى الملك! عليكم بذكر الله عز وجل، ويا أهل الكلمات النافعة الطيبة والألسنة الفصيحة! استغلوا هذا الشهر وغيره في ذكر الواحد الأحد، وفي أوراد هائلة وتسبيحات ترتفع إلى السماء: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠].
كان أبو مسلم الخولاني لا يفتر لسانه من ذكر الله، قال له أحد السلف: "أمجنون أنت؟ " قال: "لماذا؟ " قال: "نراك تتمتم بلسانك بشيء ما ندري ماذا تقول"، قال: "عندي دواء المجانين"، فهو ليس مجنوناً، لكن عنده دواء المجانين، الذي يعالج به المجنون فيشفى بإذن الله.
ولما تركنا تمتمة الألسن وتحريك الشفتين أصبح قطاع هائل من الناس يصابون بالصرع، حتى تجد المشايخ يبركون على الصدور ويقرءون آية الكرسي، وهذا وارد، وقد فعله صلى الله عليه وسلم.
وأقصد لماذا لا نتعالج قبل أن نقع في مثل هذا؟ لماذا قبل أن يُبرك على صدر الإنسان ويلطم على وجهه ويقال له: اخرجي يا عدوة الله وتكلمي، فإذا هي تخرج عليه وهي تتكلم بالإنجليزي -فلبينية- فعلينا أن نذكر الله بالأوراد وبالسور، ونذكره بالأحاديث قبل أن نمرض، أما نتحرى إذا مرضنا ونقول: دواؤه الرُّقْيَة، فلا.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه
ويحق للمصاريع أن يركبهم الجن الفلبينيين، لأنهم أصبحوا في البيت والسيارة وفي الدكان والخياطة وفي السوق فلا تجد موضع قدم إلا وفيه فلبيني، ونحن لا نستزري بأحد من الناس، لكن متى كانت العمالة الأجنبية الكافرة هي غذاء الجيل؟! ومتى كان الكافر صاحب المسلم؟! فأصبح الطفل ينشأ ويرى السائق والخادم والسائقة والخادمة والخياط كلهم من جنس آخر، فيركبه الجن نعوذ بالله من الجن ونسأل الله أن يثبتنا.
لكن أهل آية الكرسي لا تركبهم الجن، فهي تحرق الجن إحراقاً، حتى الشيطان يوصي بها، فعميد وأستاذ الشياطين أوصى أبا هريرة بذلك- والحديث في الصحيحين - عندما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كمية كبيرة من التمر ليحفظها، فأتى الشيطان إلى أبي هريرة في صورة شيخ، وأخذ من التمر، فأمسكه أبو هريرة وقال: {لأرفعنك، فقال: اعف عني فإن لي عيالاً، فعفا أبو هريرة عنه، وفي الليلة الثانية جاء فأخذ من التمر، فأراد أن يرفعه، فقال: اعف عني، وأتى في الثالثة، فصمم أن يرفعه، وقال: اعف عني، وإني أخبرك بشيء إذا قلتَه لا يزال عليك من الله حافظ، قال: وما هو؟ قال: آية الكرسي، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أبو هريرة بما حدث، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أتدري من تحدث يا أبا هريرة منذ ثلاث؟ قال: من؟ قال: إنه الشيطان، صدقك وهو كذوب} قال: صدقك هذه المرة، وهو كذاب في كل مرة، فما دام أنه جاء بها الشيطان، فهو أعرف بما يشينهم ويحرقهم.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً} [آل عمران:١٩١] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:٣٥] ويقول جل اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:٤١ - ٤٢] والذكر الكثير: أن تذكر الله قائماً وجالساً وعلى جنبك، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من ذكر الله بالأذكار الشرعية المأثورة فهو من الذاكرين الله كثيراً"، وقد ذكر ذلك في المجلد العاشر في وصية لـ أبي القاسم المغربي.