للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حدائق ذات بهجة]

وينتقل إلى الحدائق.

يقول أحد الفضلاء: مدرسة التوحيد في الحديقة تنبئك عن الخالق الواحد لا إله إلا هو، فالزهر، والشجر، والماء، والبساط السندسي، والعبير كلها تدل على الله، ولكن أسلوب القرآن أخَّاذ ينفذ إلى القلوب، يقول الله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل:٦٠] بهجة، قالوا: حياة، وقال بعضهم: روعة، وأصاب، وقال بعضهم: منظر حسن، وأجاد، وقال بعضهم: تشكيلة خلقها الله في الكون.

ويقول أحد العصريين: من الذي جعل الألوان تتماوج في الزهرة الواحدة حتى يعجز أعظم فنان في الأرض أن يرسمها، ذلكم الله لا إله إلا هو، الذي جعل الزهرة حمراء بجانب الخضراء والصفراء, أبدع الخلق فلا يتعقب، ثم يقول للكائنات وللناس: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:١١] يقول: هذا خلقي، وهذا صنعي، وهذه قدرتي، وهذه صناعتي، فأروني ماذا أنتج الطواغيت للعالم؟!

يُتَحَدَّون بالذباب والبعوض، فيموت النمرود ببعوض في دماغه فيقتله الله، لأنه أهون من أن يصارع بالجيوش.

ذباب يقف على أنف أبي جعفر المنصور الخليفة السفاك، فيقول أبو جعفر لأحد العلماء: لماذا خلق الله الذباب؟

قال: ليذل به أنوف الطغاة، فسبحان من خلق وأبدع.

قال سبحانه: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:٦٠] تحدٍ صارخ، وتحدٍ سافر للبشرية أن يجتمعوا فيخلقوا شجرة، أإله مع الله؟!

هل هناك أحد يخلق كخلق الله؟

هل هناك قوي كقوة الله، مبدع كإبداعه سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟ والجواب معروف، وينتقل متحدياً، ويقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل:٦٠].

قال أهل السنة: يعدلون به غيره، وهؤلاء خونة الميثاق تجدهم يقرعون أبواب غيره، ولا يقرعون بابه، ويتذللون عند عتبات غيره من المجرمين، ولا يتذللون عند عتبته.

يا رب حمداً ليس غيرك يحمد يا من له كل البرايا تصمد

أبواب كل ملوك الأرض قد وصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد

الصالحون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا

فالله يلومهم يقول: لماذا يعدلون مني إلى غيري؟ ولماذا يطلبون غيري؟

قال وهب بن منبه: قرأت في الحكمة أن الله يقول: (وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد من خلقي فاجتمعت عليه السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن فرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم بي أحد من خلقي، ثم كادت له السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن فرجاً، ثم قال سبحانه: وعزتي وجلالي ما اعتصم بغيري أحد من خلقي إلا أسخت الأرض من تحت قدميه، وقطعت الحبل بيني وبينه، وأهويته في مكان سحيق) هذه قدرة الله، وهذه قدرة غيره تعالى الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>