للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أمثلة على الظلم]

وأحد العشرة المبشرين بالجنة وهو سعيد بن زيد شكته امرأة وتظلمت إلى مروان بن الحكم منه، وقالت: غصبني أرضي، فحاكمه مروان بن الحكم، وقال: لم غصبتها أرضها، فدمعت عيناه رضي الله عنه وهز رأسه وقال: والله ما كان لي أن أظلمها بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من اغتصب شبر أرض طوقه من سبع أرضين} فلتأخذ أرضي إلى أرضها، وبئري إلى آبارها، ونخلي إلى نخلها، فإن كانت كاذبة فأعمى الله بصرها، وقتلها في أرضها، فاستمر بها الحال ثم عميت في آخر حياتها وذهبت إلى بئرها لتستقي الماء فتردت ميتةً على وجهها: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢].

قال أحد التابعين: إذا مررت بأرض قد خربت، وبأهلها قد تفرقوا، وبأنس قد تشعب، وببهاء قد ذهب، وبمال قد فني، وبصحة قد سقمت، فاعلم أنها نتيجة الظلم، ولذلك روى ابن كثير في تاريخه أن البرامكة الأسرة الشهيرة الخطيرة التي كانت تتولى الوزارة لـ هارون الرشيد في بغداد، بلغوا من الترف والرقي أن أحدهم كان يصبغ قصره من الداخل والخارج بماء الذهب والفضة، فكانت تلمع قصورهم مع الشمس، فلعبوا بالأموال وسفكوا الدماء وبغوا وطغوا؛ فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، والرسول صلى الله عليه وسلم كما صح عنه يقول: {إن الله يمهل للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢]}.

فسلط الله على هذه الأسرة أحب الأحباب إليهم، وأقرب الأقارب إلى قلوبهم، وأصدق الأصدقاء، وهو هارون الرشيد الخليفة، فأخذهم في ليلة واحدة، فجلد كل واحد منهم ألف سوط ثم قطع بعض أياديهم وأرجلهم وقتلهم شر قتلة، واستولى على أموالهم، وهدم قصورهم، وسجن نساءهم، فدخلوا على شيخ منهم من البرامكة وهو يعذب، ويبكي تحت السياط، فقال له بعض العلماء: ما هذه المصيبة التي حلت بكم؟ قال: دعوة مظلوم سرت في الليل نمنا عنها والله ليس عنها بنائم.

وقد قال عليه الصلاة والسلام: {دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} ويقول عليه الصلاة والسلام -وهو يوصي معاذاً لما أرسله إلى اليمن {اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} ولذلك لما أهين الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه، كان الذي سعى في سجنه وظلمه وجلده أحمد بن أبي دؤاد أحد الوزراء المقربين من الخليفة المعتصم؛ فرفع الإمام أحمد يديه إلى الحي القيوم ثم قال: اللهم إنه ظلمني فاحبسه في جسمه، وعذبه وشرده أيما مشرد، قال العلماء: فوالله ما مات حتى أصابه الله بالفالج في نصفه، فنصف مصاب بالفالج قد مات ويبس نصف جسمه، وبقي نصفه حياً، دخلوا عليه وهو يخور كما يخور الثور، فقالوا: مالك؟ قال: دعوة الإمام أحمد أصابتني، أما نصفي الأيمن فوالله لو وقع عليه ذباب لكأن جبال الدنيا سقطت عليه، وأما النصف الآخر -فوالله- لو قرضتُ بالمقاريض ما أحسست ألماً.

وهذه سنة الله في الأرض، فإن الله دمر الديار، وأهلك الأمم، وأفنى الشعوب لما ظلموا، وهذه سنة محكمة منه تبارك وتعالى.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: دخل أحد المشايخ الصالحين الأولياء العباد على أحد الطغاة المتكبرين فنازعه في بعض الكلام، وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقام إليه هذا الطاغية فضربه على وجهه، فقال: لطمتني، أسأل الله أن يقطع يدك، قال: اعف عني، قال: لا والله حتى نحتكم عند الله، قال الذهبي: فأثر أنه ما مر عليه أسبوع إلا وقد استولي على ما عنده، وأخذ من قصره، وقطعت يده، وعلقت أمام الناس.

إن الظلم ظلمات يا عباد الله! إن الظلم مسخطة ومغضبة ولعنة، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله من غير منار الأرض} ومنار الأرض حدودها التي تقتسم في المزارع والأراضي والأملاك، فمن غيره بغيبة شريكه وعدم رضاه فهو ملعون عند الله عز وجل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>