هذا الأخ أتى بكلمة ربما تكون مبتذلة عند بعض العلماء؛ لأن علماء السنة يأتون بجمل كأنها من جمل القرآن، يقولون: مداهنة ومداراة، وهو يأتي بحياء ويأتي بمجاملة وأقول: أنا أشرح هذا سواء أراده السائل أم لم يرده، للفائدة يقول أهل العلم:
المداراة والمداهنة أمران مختلفان:
المدارة: هي أن تدفع شيئاً من الدنيا أو تبذل شيئاً من الدنيا من أجل أن يبقى لك الدين.
والمداهنة: أن تدفع شيئاً من الدين من أجل أن يبقى لك شيء من الدنيا.
والأدلة على المداراة ما في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً في بيته، وأتى عيينة بن حصن وهو فزاري من بني بدر، وهي أسرة شاهقة في التاريخ، هم الذين يقول فيهم حاتم الطائي:
إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدر
وأتى عيينة هذا وراءه آلاف من الناس، لو آذاه صلى الله عليه وسلم بكلمة انجرحت مشاعره وذهب فأفسد عليه القبائل وردهم عن الإسلام، وكان عيينة سيئاً كما في السير، استأذن الرسول عليه الصلاة والسلام والحديث عن عائشة:{فقال صلى الله عليه وسلم: من، قال: عيينة بن حصن، فقال رسول الله: ائذنوا له بئس أخو العشيرة، فأذنوا له فدخل، فلما دخل، هش محمد صلى الله عليه وسلم وعانقه وأجلسه وحياه، فأكرمه وانبسط له، فلما خرج، قالت عائشة: يا رسول الله! قلت: كيت وكيت، فلما دخل انبسطت له، قال: يا عائشة! إن من شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه}
البخاري علق أثراً في الصحيح فقال: وقال أبو الدرداء: [[إنا لنبتسم في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم]] من أجل ماذا؟ من أجل الدين والرسالة، بعض الفسقة إن لم تلن له في الخطاب يضيع عليك رسالتك وإيمانك.
والعامة يقولون: أضع من مالي ولا يرمي خيالي، وهذا من المداراة لا من المداهنة، وقد قال الله:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:٤٤] موسى يقول لفرعون: يا أبا مرة! -مرر الله وجهه في النار- فرعون كنيته أبو مرة كما في تفسير ابن كثير عن أبي أيوب، وما يضرك أن تلين بالخطاب، ما يضرك أن تأتي وتقول لمجرم: أرى عليك آثار الطاعة وهي آثار الخيبة، أو تقول: وجهك المشرق هذا ينبئ أن وراءك مصدراً من الخير الله أعلم به، من هذه الكلمات، هذه مداراة، أما المداهنة فهي طلب الدنيا بالدين، أن تذهب لتبذل دينك من أجل أخذ دنيا من الناس، تجامل وتكذب على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين من أجل الدنيا، تذهب إلى فاجر تقول: أنت علاّمة الزمن!! وبك يحفظ الله البلاد والعباد، وأنت مجدد العصر وهذا القرن، ورأيتك البارحة بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام وأنت ما رأيت في المنام شيئاً! حتى تحصل على دنيا، فأنت مفلس في هذا، وقد أخطأت وهذه مداهنة.