وكان آدم عليه السلام لوحده، أبونا وأبو الجميع لم يكن معه أحد، فاستوحش، وجلس فارغاً والتفت يريد أن يجلس مع أحد لكن لم يجد، فالملائكة لهم جنس خاص والجن جنس خاص، يقول أبو عبد الله بن عتبة في الأشكال والأقران والأحباب:
تخذني خليلاً أو تخذ لك صاحباً خليلاً فإني مبتغ صاحباً مثلي
عزيز منالي لا ينال مودتي من الناس إلا مسلم كامل العقل
ولا يلبث الأخدان أن يتفرقوا إذا لم يؤلف روح شكل إلى شكل
فلا تأت بالطير مع الحمام أو الدجاج مع الحمام، أو تجعل البقر مع الغنم فهذا لا يصلح, فهذه فصائل ولا بد أن كل فصيلة -من حكمة الله- تكون مع فصيلتها.
فلما استوحش آدم عليه السلام نوّمه الله -كما يقول أهل التفسير- نومة، وأخذ من ضلعه الأيسر حواء.
فما أضعفنا! وما أهزلنا! وما أقلنا! وما أحوجنا إلى رحمة الله، إنسان هذا خلقه وهذه أمه، وهذا هو الخلق: طين لازب، ماء وطين، ويأخذ من الضلع الأيسر قطعة لحم ويخلق منها امرأة، ثم يأتي الإنسان، ويظن أنه واحد العالم وفريد العصر وأن الناس ليسوا بشيء, فيرتكب الكبائر ويأتي بكل ما عنى وخطر له، وينسى ذاك المنشأ.
فلما خلق الله حواء التفت آدم إليها بعد أن استيقظ فرآها بجانبه، فعرف أنها زوجته فسكن إليها:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:٢١] سكن وارتاح.