[المصارعة في الإسلام]
الأخ عبد الباسط عز الدين كتب في الصحف المحلية معلقاً على مقابلة لي مع مجلة اليمامة العدد (١١٧٣) بعد أن أثنى، يقول: لماذا تذكر الرياضة وتتمنى أن تكون رياضياً أو تتمنى الملاكمة؟
أقول:
أولاً: هذا الأمر كان على طريقة المزاح، ولو أنها لم تصل كثيراً ما ذكرتها.
ثانياً: أن مسألة الرياضة في حد ذاتها كالمصارعة والمسابقة والرمي من سنته صلى الله عليه وسلم، وقد صارع عليه الصلاة والسلام؛ فإن أهل السير يروون عنه: أن ركانة كان أقوى العرب، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل من جنس قوته، أو من جنس ما يملك، أو من جنس موهبته.
فلما جاء ركانة قال له: أسلم يا ركانة أنا رسول الله أعلن الإسلام قل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: لا أسلم لك حتى أتصارع أنا وأنت- وهذا بطل المصارعة في العرب- فإن صرعتني آمنت بك، فقام صلى الله عليه وسلم وقال: استعنت بالله عليك ومن كان الله معه، لا يصرعه أحد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧٣] وقال أيضاً: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:٢١] فقام صلى الله عليه وسلم فحمله كالريشة ثم بطحه أرضاً، ثم قام مرة ثانية فأنزله أرضاً، فقام مرة ثالثة فأنزله أرضاً، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}.
وصح أن أبي بن خلف -هذا المجرم الوثني- قال: أنا أقتل محمداً وكان يعلف فرسه بالبر، ويسل سيفه، ويسقيه السم الأزرق، ويقول: أقتل به محمداً.
فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله.
وجاءت معركة أحد - كما صح عند أهل العلم- وانحدار أبي بن خلف على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس العصر، وقد أثخن بالجراح، وقتل من أصحابه وأقاربه سبعون قتيلاً، وانكسرت إحدى ثنيته، ودخل المغفر في حاجبه وهو في حالة لا يعلمها إلا الله، وبعد صلاة العصر يقول: صفوا ورائي أثني على ربي، أي: أشكره على هذه النعم.
ولما جلس صلى الله عليه وسلم وإذا بالرجل أقبل منحدراً من الجبل، معه سيفه وسلاحه، وقد طوق نفسه بدرعين، ما ترك منه إلا مثل الدرهم؛ حتى لا يصيبه شيء من سيف ولا رمح، فقال الأنصار: نحن نقتله يا رسول الله! فقال: دعوه، ناولوني حربة، فناولوه حربة- يقول الشاعر في رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها
وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها
فأخذ الحربة وقال: باسم الله، يقول الواحد الأحد الفرد الصمد: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧] أنت ما رميت، والرامي الحقيقي هو الله.
قال ابن تيمية: هو لم ينكر له الكسب، لكنه أنكر له القدرة، فالقدرة قدرة الخالق، والكسب منه، رمى فوقعت الرمية في ذاك الدرهم، فنزل منه قطرة دم، فقالوا له: لا بأس عليك.
فقال: أقسم باللات والعزى لو أن ما بي بأهل الحجاز وأهل عكاظ لماتوا جميعاً، فمات!
يقول خالد بن سفيان الهذلي: أنا سوف أقتل محمداً وجند جنوده ألف مقاتل في عرفة، فوصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فقام الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: من يقتل p=١٠٠٠٣٣٢>> خالد بن سفيان الهذلي وله الجنة.
وهذا عهد من الأمين صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الله بن أنيس وهو في الرابعة والعشرين من عمره: أنا أقتله يا رسول الله، لكن ائذن لي أن أقول في غيابك كلاماً.
قال: قل.
قال: أنا لا أعرف خالد بن سفيان أين هو؟
قال: هو في عرفة.
قال: فكيف أعرفه؟
قال: إذا وجدته تتذكر الشيطان وتجد في جسمك قشعريرة.
فذهب ووصل إليه وخالطه فوجد القشعريرة في جسمه، ثم أخذ يلاطفه في الكلام حتى تمكن منه، فلما تمكن منه ذبحه، فقطع رأسه وأتى يحمل رأسه -لأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر- ولما اقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى الرأس قال: أفلح الوجه قال: ووجهك يا رسول الله.
قال: أقتلته؟
قال: نعم يا رسول الله، وهذا الرأس.
قال: خذ هذه العصا وتوكأ بها في الجنة معي، والمتوكئون في الجنة بالعصا قليل.
فأخذ العصا ودفنت معه، وعودوا إلى ترجمته.