للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدرس الثاني عشر: فضل أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه]

وهو أبو سفيان بن الحارث ليس أبا سفيان بن حرب , فـ أبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام كان له أعمام عشرة منهم الحارث ابنه أبو سفيان هذا، وما أسلم إلا قبل الفتح بأيام, سمع أن الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقدم فاتحاً لـ مكة , وعلم أنه أساء مع الرسول عليه الصلاة والسلام في المقاتلة وأساء في المهاجاة؛ لأن أبا سفيان كان شاعراً يرسل القصائد يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلما علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقدم مكة فاتحاً أخذ أطفاله، وكانوا صغاراً كأنهم فراخ الطير من البنات ومن الأبناء, وخرج بهم من مكة ولقيهم علي بن أبي طالب دون مكة بين عسفان ومكة في طريق رحب في شعب من الشعاب.

فقال علي ابن عمه: إلى أين يا أبا سفيان؟ قال: يا علي قاتلنا محمداً وآذيناه وشتمناه وطردناه وأخرجناه؛ سوف أخرج بأطفالي هؤلاء وأموت جوعاً وعرياً وعطشاً في الصحراء, والله لئن قدر علي ليقطعني بالسيف إرباً إرباً.

فقال علي بن أبي طالب: أخطأت يا أبا سفيان! إنك لا تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحلم الناس وأكرمهم وأرحمهم، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:٩١] لأنهم إخوان وأبناء عم، فأتى أبو سفيان بأطفاله يقودهم بأيديهم, فلما وقف عند خيمة أم سلمة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم داخل الخيمة، قال: ائذنوا لي أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من في الباب؟ قالوا: يا رسول الله أبو سفيان بن الحارث، قال: لا يدخل علي، لأنه أساء كل الإساءة ما ترك أمراً إلا وكاد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت أم سلمة تبكي وتقول: يا رسول الله! لا يكون ابن عمك وقريبك أشقى الناس بك، وأخذت تناشده الله عز وجل، قال: أدخلوه علي، فدخل.

فقال: السلام عليك يا رسول الله، أمَّا بَعْد: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:٩١] قاتلناك يا رسول الله وآذيناك وأخرجناك والله لا أدع موقفاً قاتلتك فيه إلا قاتلت فيه معك، ولا نفقة أنفقتها في حربك إلا أنفقتها معك، ثم أخذ يعدد، فرفع صلى الله عليه وسلم طرفه وعيناه تنزل الدموع، قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٩٢] فقال: يا رسول الله! اسمع مني، قال: قل، قال:

لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد

لك المدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني يوم أهدى وأهتدي

هداني إلى الرحمن ربي وقادني إلى الله من طردت كل مطردِ

فقام عليه الصلاة والسلام فعانقه وضرب على صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد، فأخذ يخدم محمداً صلى الله عليه وسلم، لا يرتحل مرتحلاً إلا قام وحزم له متاعه وشد له رحله، وأخذ ببغلته يقودها, فهو قائد البغلة يوم حنين اليوم الأكبر من أيام الله, يوم ثبت رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ونزل يقارع الأبطال وهو يقول: {أنا النبي لا كذب, أنا ابن عبد المطلب}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>