قالوا: العاصي متهم دائماً، كاد من الريب أن يقول: خذوني.
لو تحرك الباب لقال: جاء الطلب، ولو تُكُلم في إنسان لقال هو في.
قال الله عن المنافقين:{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون:٤] فالعاصي بينه وبين الناس وحشة، فهو يرى أن الطائعين يتهمونه، ويرى أن الناس كلهم يظلمونه ويتحدثون فيه فإذا سمع اثنين يتناجيان قال: فيَّ يتكلمون، وإذا سمع صاحبين يتكلمان قال: فيَّ يختصمون، وإذا سمع حزبين يختلفون قال: فيَّ يتحدثون.
فهو دائماً متهم، وهو دائماً مسلوب الإرادة ليس عنده قوة، وبينه وبين الناس وحشة.
حتى أنك تجد الذي يتمرد في المعاصي كثيراً ويعيش فيها سنوات لا يحب مجالسة الصالحين ويفر منهم؛ حتى وجد أن بعض الناس ذهب إليه بعض الدعاة في بيته ليحدثه، فخرج من الباب الآخر، وقال لأطفاله: قولوا أبونا غير موجود.
ووجد من بعضهم أنه يعتذر عن الوصول، ويعتذر عن حضور الوليمة التي هي للطائعين؛ لأن فيها قرآناً وحديثاً، وفيها سيرة وسلف وأخبار وأخيار، لكن إذا وجدت الربابة والدف والطبل حضر ورقص وشارك بشعوره وتكاتف وتعاون، فهو معرض عن الناس المستقيمين ومقبل على المعرضين لقربه وصلته بهم، فلا إله إلا الله كم بين من أحب الله من قرب وزلفى! {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:٦٧] نسأل الله أن نكون منهم.
ونجد أن المعرضين في الظاهر متعاونون متساعدون، ولكن بينهم من الشنار والعار والدمار ما الله به عليم:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}[الحشر:١٤] فمن أراد الحب والولاء فليتول الصالحين وليقرب منهم، ولذلك عقد النووي رحمه الله: باب زيارة الصالحين والاستئناس بهم وحبهم، والمرء يحشر مع من أحب.