للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إخلاصه لله وتجرده]

أولاً: إخلاصه لله وتجرده؛ فقد قدم نفسه وروحه ووقته لله رب العالمين مخلصاً له الدين: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣] فأغضب الناس في رضا الله؛ فرضي الله عليه، وأرضى عليه الناس.

شيع جنازته ما يقارب من مليون ونصف مسلم، وخرج من النساء على أسقف المنازل ستون ألف امرأة يبكين ويندبن شيخ الإسلام.

وقف شيخ الإسلام لله، يريد أن تكون كلمة الله هي العليا، عرض عليه المنصب، قال: لا.

لماذا؟ المنصب سوف يعطلني عن دعوتي، عرضت عليه الأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فقال: لا.

لأنها سوف تعطلني عن قول (لا إله إلا الله).

عرضت عليه الشهرة وأن يجعل من نفسه محبوب الجماهير.

قال: لا.

لأن الجماهير لا يرضيها ما يرضي الله، فأنا أرضي الله أولاً والجماهير لا شأن لي برضاها:

إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ

فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضابُ

وليت الذي بين وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ

عاش متجرداً: {إنما الأعمال بالنيات} كان لا يبالي بأحد، يقول كلمة الحق صادقة قوية؛ لأنه مخلص: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣] وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {من أشرك معي في عملٍ تركته وشركه} وعند ابن حبان: {من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله، رضي الله عليه وأرضى عليه الناس} عاش والله في قلبه، محبةً وتلاوةً وتسبيحاً، وتكبيراً، وجهاداً، المهم عنده أن ترتفع كلمة لا إله إلا الله، ولا بد من إعادة لا إله إلا الله قوية.

هذا ملخص الميزة الأولى لـ ابن تيمية، وقد افتقدها كثير من الناس.

إن كثيراً من الناس يريد أن يرضي المنصب، ويرضي السيارة، ويرضي الزوجة، ويرضي الجمهور، ويرضي ما يطلبه المستمعون.

لكن ابن تيمية إنما يرضي الله أولاً أما غيره فلا.

وأنا أدخل بكم في مسارات وفي دخلات قليلة، ثم أعود إلى أصول المحاضرة.

لم يتزوج ابن تيمية؛ تزوج الدعوة فأنجب عشرة أبناء:

أولها: الجهاد في سبيل الله.

وثانيها: أنتم يا شباب الصحوة؛ فأنتم أبناء شيخ الإسلام وهي بشرى سارة.

ثالثها: أنجب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي بلغت زنجبار وأندونيسيا.

رابعها: أنجب المؤلفات التي تكسر ظهور الحمير من البشر والحمير من الحيوانات.

خامسها: أنجب تجديداً للأمة؛ جدد مسار الأمة، وأخرجها إلى عالم الانفتاح.

سادسها: رد عقل الأمة إلى الدليل، إلى قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

سابعاً: علم الناس الجهاد في سبيل الله، وكيف تموت النفوس وهي مقربة في ذات الله.

دخلوا عليه وهو مريض فقالوا: ماذا تشتكي؟ قال: لا أخبر أحداً، ثم ردد قائلاً:

تموت النفوس بأوصابها ولم يدرِ عوادها ما بها

وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها

ثامناً: اكتسح الحلف الابتداعي كله؛ اكتسح الملاحدة والحلولية والاتحادية والجهمية المعطلة والصوفية والمعتزلة والنصيرية والأشاعرة:

تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه

تاسعاً: وقف ابن تيمية في الضمائر وما مات؛ مات جسمه ومات لحمه ودمه، ولكنه معنا هذه الليلة نحييه ونرحب به، وقد ألف فيه أكثر من ثمانين كاتب من المستشرقين والإنجليز والأمريكان والعرب.

عاشراً: وترك ابن تيمية لنا كلمة واحدة أن من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وأن من جاهد لبطنه ولوظيفته ولسيارته فسوف يموت وينتهي ولا يبقى له أثر في الأرض: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:١٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>