[أين من سكنوا الدنيا وعمروها]
أين الذين ملكوا العالم؟ أين الخلفاء؟
إنك إذا قرأت مثلاً البداية والنهاية لـ ابن كثير، أو تاريخ ابن جرير الطبري أو الكامل في التاريخ لـ ابن الأثير، أو المنتظم لـ ابن الجوزي، ستقرأ في ساعة واحدة ثلاثة قرون.
أي ثلاثمائة سنة.
تقرأ ستة وثلاثين خليفة تولوا في العالم وماتوا.
فما كأنهم جمعوا وتهنئوا، وما كأنهم قاموا بمهرجانات، وما كأنهم رفعوا الدور وبنوا القصور!! أين ذهبوا؟ إنهم مُرْتَهَنون بأعمالهم في قبورهم.
ولذلك يقول ابن الجوزي: "يصيب المسلم ذهول يوم يرى بعض الفجرة نسي الله وموعوده فقتل الألوف المؤلفة من البشرية، وسعى في الأرض خراباً، ونسي لقاء الله".
يقول الذهبي: إن أبا مسلم الخرساني قَتَل مليوناً.
يقول ابن الجوزي: "الله أكبر! أما عَلِم هذا أنه سوف يُوضَع على عينيه القطن في القبر".
بل نور الدين محمود زنكي، الشهيد الكبير، السلطان الذي جمع ووحد المسلمين على (لا إله إلا الله) وهو كُرْدِيٌّ وليس عربياً، فلا يظن إنسانٌ أن الإسلام لا يُنْصَر إلا على أيدي العرب، ولا يظن أننا لا نعترف بالأجناس، وأن هناك جنساً غير جنس، فنحن نكفر بالعنصرية العالمية، فإنها صنيعة للصهيونية، وما أتى بها إلا الصهاينة واليهود، فنحن نكفر بالتمايز العنصري الذي أتى به أنذال وقبحاء العالم، الذين انتهكوا حرمة الشعوب وقتلوا الإنسان، وهم يقولون: إنهم هم أهل حقوق الإنسان.
بل هم القتلة والمجرمون حتى يلقون الله تبارك وتعالى.
فـ نور الدين محمود زنكي رأى تفتت العالم الإسلامي، فهاجر بالأكراد، ودخل دمشق، وجمع الأمة على (لا إله إلا الله).
في أحد الأيام عمل مهرجاناً كبيراً، حضره جيشه الذي قوامه ما يقارب: مائتي ألف، وصفَّ جنوده وحرسه وقواده وأمراءه حوله، فلما اكتمل المهرجان دخل عليه أحد علماء الإسلام اسمه: ابن الواسطي، فوقف أمام السلطان وبيده عصا، وقال: "يا أيها السلطان! اسمع مني كلمات".
قال: "تفضل، قل ما شئتَ"، قال:
مَثِّل لنفسك أيها المغرورُ يوم القيامة والسماء تمورُ
إن قيل: نور الدين جاء مُسَلِّماً فاحذر بأن تأتي وما لك نورُ
حَرَّمْتَ كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدورُ
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف الذي مرت عليه دهورُ
يقول: يوم القيامة يشيب رأس الطفل من الهول، فكيف الذي عاش ستين سنة في الجرائم.
فبكى السلطان حتى سقط مغشياً عليه.
قال ابن كثير: "رحمة الله على تلك العظام، فإنه هو الذي فتح قلاع الإسلام، وجمع كلمة المسلمين على (لا إله إلا الله) ".
فالشاهد أننا نطلب من أنفسنا ألا نرضى بالحياة ثمناً لأنفسنا، والله خلقك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لتكون عبداً له، فلا تكن عبداً لغيره.
ولا يظن أحد من الناس أن الشرك معناه عبادة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى؛ فإن هناك صوراً أخرى للأصنام:
هناك من يعبد الدرهم والدينار.
وهناك من يعبد المنصب؛ تسترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ولاؤه وعداؤه لمنصبه.
وهناك مَن يعبد الكافر، نعوذ بالله من ذلك.
ذكر بعض المفكرين المسلمين أن من المسلمين من يعبد الكفار ولا يشعر.
فهو يتولاهم من دون الله ورسوله والمسلمين؟ والله يقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:٥٥].
ويقول عليه الصلاة والسلام: {تَعِسَ عبدُ الدرهم، تَعِسَ عبدُ الخَمِيْصَة، تَعِسَ عبدُ الخَمِيْلَة، تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيْكَ فلا انْتَقَشَ}.
فالإقبال عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى الدار الآخرة، معناه: أن نتجرد، وأن يكون عملنا لوجهه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، خالصاً له، وصدقاً في سبيله، نرجو الثواب منه تبارك وتعالى.