ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء أن علي بن أبي طالب سيف الله المنتضى والإمام المرتضى جلس تحت حائط يريد أن ينقض، يقضي بين رجلين فقال أحد المسلمين لـ علي: الحائط يريد أن ينقض عليك.
قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما قضى بين الرجلين وقام من مجلسه؛ انقض الحائط مكانه! قال علي رضي الله عنه في بيتين:
أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر
يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا يغني الحذر
فالذي بيده الضر والنفع هو الله، والمغني هو الله والمفقر هو الله والمحيي والمميت هو الله.
ولذلك كان من أسباب الإخلاص عند أهل السنة والجماعة وأولياء الله أنهم جعلوا القدرة لله والنفاذ والحكم والتصريف والخلق والإماتة والرزق والتدبير لله:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤].
إذاً -يا إخوتي في الله- علينا أن نطالب أنفسنا بالإخلاص؟
وأخص خصائص أولياء الله الإخلاص، دعوتهم لوجه الله، صلاتهم لله، طلبهم العلم لله، وذكروا عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أنه كان يبكي إذا ذكرت عنده أحاديث الرقائق (إذا ذكر الموت بكى) فيشوص أنفه ويقول: ما أشد الزكام! كأنه مزكوم وهو يبكي، يقول ابن الجوزي:
أفدي ظباء فلاة ما عرفن به مضغ الكلام ولا مزج الحواجيب
يا للصدق! يا للوضوح! بعض الناس يريد أن يدري الناس أنه زاهد، فيأخذ ثوباً ممزقاً مقطعاً، وقد سكنت الدنيا في قلبه بعماراتها وسياراتها ومعارضها وأسواقها! يشتري ثوباً بخمسة عشر ريالاً وقلبه يريد ثوباً بألفي ريال! الزهد ليس في الثياب الممزقة، ولا في الرقع المخرقة، ولكن الزهد في صدق القلوب، ومجافاة الحرام، والتقلل من الدنيا بشيء لا يزري بك عند الله ثم عند الناس.