[النهي عن لبس الحرير]
المسألة الخامسة: ومنه لبس الحرير.
وهو محرم، ولا يتساهل فيه إنسان، وقد تساهل فيه كثير من الناس، وهو من علامات الساعة، ولبس الحرير لا يجوز إلا بمقدار أربع أصابع، وأشار عمر إلى أصابعه على المنبر رضي الله عنه وأرضاه، وذلك كحاشية الثوب، أو ما ينسج مع الثوب أن يكون لو جمع كله بمقدار أربع أصابع.
ولكن يجوز لبس الحرير في موطنين اثنين:
الأول: إذا كان من الطب والاستشفاء، وأشار الأطباء أن لباس الحرير يوافق هذا المريض فله ذلك، ففي الصحيحين من حديث أنس {رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف في لباس الحرير} وبعض الأمراض كالجرب والحكة يناسبها الحرير، فإذا أشار الأطباء به فيلبسه المسلم، وهذه رخصة.
الموطن الثاني: إذا اصطف الأعداء، ورأى أن عندهم قوة وبهرجان وزينة؛ فله أن يلبس هذا ليرهب الأعداء، ولذلك نقل أن معاوية كتب لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنهم: إن أهل الروم قد فتنوا المسلمين بلبس الحرير، ولبس الديباج.
فقال: ألبس المسلمين من هذا الحرير، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن مشية الخيلاء، وقال لـ أبي دجانة وهو يختال يوم أحد أمام الأعداء: {إن هذه مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموقف}.
وأبو دجانة أحد الأنصار الكبار العظماء، أتى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل معركة أحد فصف الصحابة، والكفار هناك، كل إنسان ينظر بعين زرقاء يريد أن يشرب دم خصمه من المسلمين ومن الكفار، فسل صلى الله عليه وسلم سيفه وقال: من يأخذ هذا السيف؟ فظنوه جائزة أو وساماً وتشريفاً، وقالوا: كلنا نأخذه يا رسول الله! فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ -وكلمة (بحقه) يوضع تحتها ألف خط- فنزلت الأيدي إلا يد أبي دجانة، قال: ما حقه يا رسول الله؟ قال: حقه أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني.
قال: أنا آخذه وأستعين بالله، فلما أخذه أخرج عصابة حمراء كان يخرجها في القتال وعصب بها رأسه، قال الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت -معناه ذبح- فأخذ السيف، قال أنس: فذهبت وراءه، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيته يكسر بها جماجم الكفار.
ومع صلاة العصر عاد به وهو منحني وقال: خذ يا رسول الله! فدعا له صلى الله عليه وسلم.
بالخير واليمن والبركة.
فهذا هو الذي اختال في هذا الموطن، وليس الاختيال للذين يختالون عند الرقص واللهو واللغو الاختيال والقوة والشجاعة تكون عند ضرب الجماجم، وعند مقارعة السيوف وحطم الرماح.
يقول الأنصاري وهو يمدح قومه:
إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود أزوار المناكب
صدود الخدود والقنا متشاجر ولا تبرح الأقدام عند التضارب
ويقول الأعشى قيس بن ميمون؛ أعشى القلب والبصر، أراد أن يسلم فأرشي إليه بمائة ناقة فعادت به، فلما وصل إلى داره كسرته إحداها فمات.
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار
لكنه من الشعراء الكبار، يقول:
لما التقينا كشفنا عن جماجمنا ليعلموا أننا بكراً فينصرفوا
قالوا البقية والهندي يحصدهم ولا بقية إلا السيف فانكشفوا
يقول: كنا ملثمين وأعداؤنا ما علموا أنا بنو بكر بن وائل، فلما حضرنا كشفنا الجماجم فلما علموا انهزموا.
وهذه مبالغة كاذبة آثمة خاطئة.