عظيم ما أعد الله لعباده في الجنة -وقد أخبرتكم- لكنني أقول لكم مسألة: إذا تصورتم أي نعيم في مخيلتكم وذاكرتكم ومرت بكم مواقف من النعيم والعطاء واللذة والمتعة فاعلموا أن في الجنة: {ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر} واعلموا أنه قد صح في الحديث: {لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها} واعلموا أنه صح في الحديث: {أن الخيمة الواحدة للمؤمن في الجنة طولها في السماء ستون ميلاً، ويرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، له في كل جهة منها أهلون، -أي: حور عين-}.
وهذا مأخوذ من ذكر منازل سعد بن معاذ، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين عظم ما أعد الله لعباده المؤمنين، ويا حسرتاه! يوم نسمع الآيات البينات والأحاديث الثابتات عن نعيم الجنة وما فيها من فوز وخلود، ونعيم وقرة عين، ثم نتشاجر ونتناحر ونتخاصم على الجيفة! يقول عمران بن حطان شاعر الخوارج:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع
أي: الدنيا، فترى بعض التجار ينزل إلى الآن أكياساً من الأموال والأطعمة، وقد جاوز السبعين من عمره، وهو يعد المال فتفوته صلاة الجماعة.
كم تأكل؟! كم تشرب؟! إلى متى؟! تنزل الأكياس وتحسب الفواتير، ومشغول الذهن، ويفتح شركات في الليل والنهار، ومشغول عن قول: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وليس من الذين يتلون القرآن ولا يتصدق بعضهم ولا يزكي، فهذا من أشقياء الناس تجده خادماً مسكيناً ضعيفاً هزيلاً.
يقول:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع