أيها المسلمون! أما رأيتم أيامنا مع الله وكيف نعيش رغداً ونعيماً وسعادة وراحة وحبوراً؟! أما رأيتم كيف أنعم الله علينا نعماً ظاهرة وباطنة؟ أما نام جيراننا على أصوات الصواريخ وعلى زلزلت المدافع؟! أما سحقت مدنهم؟! أما دمرت قراهم بالزلازل والبراكين ونحن في رغد، فكيف نحافظ على الرغد؟
نحافظ عليه بلا إله إلا الله، بشكر الله:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}[سبأ:١٥] لكن: {فَأَعْرَضُوا}[سبأ:١٦] قرية من قرى اليمن، هي في سد مأرب والسد لا يزال إلى اليوم وقد بنوه مرة ثانية، وأكثر ما يأتي من الفواكه اليوم من اليمن من سد مأرب، سد عظيم اجتمعت عليه القبائل في مأرب -بما فيهم أنمار ويشجب- سنة كاملة، فلما بنوه ملأه الله بالماء، ولو بنوه ولم يأت ماء من الله ما نفعهم السد، فأخرزوه بالرصاص وأحاطوه بالنحاس وقالوا عليك الحراس، لكن إذا ما حرس الله فلن يحرس أحد.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان
خرزوه بالرصاص، وأحاطوه بالنحاس وبنوا عليه الحراس، فملأه الله بالماء، وأرسل الله إليهم رسولاً فقال:{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}[سبأ:١٥] ثم قال سبحانه -اسمع إلى أسلوب القرآن-: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ}[سبأ:١٥] والقرآن هو الذي كان يتحدث عن موسى، انتقلت الكيمرة -كما يقول سيد قطب - مباشرة إلى سبأ، انتقلت إلى اليمن مباشرة، انتقلت الكيمرة لتنقل لنا صورة السد، والقبيلة وهي تعيش هناك وتبني وتزرع وتأكل وتحرث، لتنقل لنا صورة القبيلة:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ}[سبأ:١٥].
كل رجل من القبيلة كان له بستانان: بستان عن يمين البيت وبستان عن يسار البيت، يخرج في الصباح فإذا الطيور تزغرد على الشجر وإذا الماء يتمتم بين الزهور، وإذا أشرقت الشمس ترسل ضوأها على الورود، وقد كان عذق النخلة لا يحمله الفرس، يقول ابن كثير: لقد كانت المرأة تأخذ المكتل على رأسها فلا تخرج من بين الشجر حتى يمتلئ من نعمة الله، فقال الله:{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ}[سبأ:١٥] صالحة للزراعة فهناك ماء وشجر وهواء وغمام وظل ونبت وحياة: {وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}[سبأ:١٥] لم يقل رب شديد العقاب، لأنه يختار اللفظ، يدعو الناس إلى الخير.