[العمل بالعلم]
العلم كالمال، ألف الخطيب البغدادي كتاب اقتضاء العلم العمل، وقال: العلم كنز ككنوز المال فإذا لم ينفق منه، فوالله لا ينفع صاحبه حفظ المعلومات في الذهن، بل يصبح سلة مهملات، لأنه حفظ المتون والمجاميع، وحفظ الأشعار والقصائد والمقطوعات، لكن لا عمل، فلا يصلي الفجر في جماعة، وتسمع أذنه للحرام، وقلبه موله، لا ذكر ولا قرآن، ولا تسبيح، ولا حب لله ولرسوله حباً صادقاً قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].
إنما يصلي في الجماعات العلماء، وإنما يعتقد اعتقاد السلف ويقدر الرسول عليه الصلاة والسلام حق قدره ويتدبر القرآن العلماء، وإنما يحضر مجالس الخير والعلم وينصح، ويحب للمسلمين ما يحبونه لأنفسهم العلماء، أما الجهلة فلا يفعلون ذلك.
إن بني إسرائيل أخذوا المجلدات فحفظوها فما نفعتهم لأنهم حمير، والحمار لو وضع عليه فتح الباري، وتفسير ابن كثير، ورياض الصالحين فهو حمار، لأنه حمار هو وأبوه وجده وعمته وخالته كلهم حمير: قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥].
والكلب تدخله في غرفة مكيفة، فيمد لسانه ويلهث لأنه كلب، وتخرجه في الشمس فيمد لسانه ويلهث، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].
تقول له: اقرأ سورة طه التي لو نزلت على الجبال لدكدكتها ولقطعت بها الأرض، ولو نزلت على الأموات، لاستفاقوا من قبورهم، فيقول: لا، القرآن له وقت! أعطني هذه المجلة، إنه يريد امرأة خليعة ماجنة سافرة داعرة، تفني الدين واليقين والعقل.
وتقول له: اسمع هذه المحاضرة في هذا الشريط الإسلامي، فيقول: لا.
الأغنية العصرية التي وردت اليوم.
تقول: خذ السواك الذي سنه صلى الله عليه وسلم وفيه من الحكم أكثر من ثلاثين حكمة ومصلحة، فيقول: السجارة، تقول: نسمر الليلة في مدارسة صحيح البخاري وصحيح مسلم، فيسمر على اللهو والمجون، لأنها عقول ما رقت إلى الفهم الذي يريده صلى الله عليه وسلم للإنسان.
في مناسبة ذكرت كلمة لـ محمد إقبال شاعر الباكستان -كما يقول الندوي في روائع إقبال - يقول: يا رسول الله! أنا هندي تعاطفت مع رسالتك حباً فيك، دخل حبك كل قلبي، ودخل تراب مدينتك أنفي، فخرج حب الغرب والحضارة الغربية، وخرجت من نارهم كما خرج إبراهيم الخليل من نار النمرود.
ثم يقول: خان العرب رسالتك فتعاطفت معك.
إن هذه المعاني لا بد أن تكون مؤصلة عند العبد وهو العمل بالعلم، فإذا لم نعمل بعلمنا فهو الخسارة والتباب، وهو والله الفناء والزلل نسأل الله العافية.