[ضرورة الائتلاف بين أفراد وجماعات الصحوة الإسلامية]
أما الحديث في هذا الدرس فهو مع من اختلفنا معه اختلافاً يمكن تداركه والالتقاء بعده، وعدم الضغينة أو الحقد من ورائه، وهذا ليس إلا خلافاً فرعياً يحصل في الملة، وقد حصل في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فسوف أتحدث إلى أولئك وأناديهم أن نعتصم، وأن نكون جبهة موحدة تحمي لا إله إلا الله محمد رسول الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:١٠٣].
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا الصف المؤمن: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] ويقول جلت قدرته عن هؤلاء: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣] ولقد سعى عليه الصلاة والسلام في توحيد القلوب وتأليف الأرواح إلى درجة أنه أجلس بلالاً الحبشي مع أبي بكر القرشي، وصهيباً الرومي مع عمر بن الخطاب، وسلمان الفارسي مع علي، وعماراً مع عثمان، فأي إخاء تريدونه بعد هذا الإخاء؟!
إن يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
وحب الألفة على الحق مبدأ إسلامي يعشقه المؤمنون، ويدعو إليه الصالحون في كل زمان ومكان.
أحب المسلمون عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه كان يحب الائتلاف والاتفاق, ويتناسى الخلاف الفرعي، وكان ينشد في طلابه:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياءٍ وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم
وكان يقول:
إذا صاحبت قوماً أهل ود فكن لهم كذي الرحم الشفيق
ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق
أيها الأحبة: نحن بحاجة ماسة إلى أن نجمع شملنا، ونوحد كلمتنا، وأن نتناسى تلك الضغائن التي جعلها الشيطان بيننا من إملائه وتسويفه، وعند أحمد في المسند عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب , ولكن بالتحريش بينهم}.
فالشيطان يئس أن يُسجد للأصنام أو الأنداد، لكنه يحرش بين الصف الإسلامي، فيذر الجهود مبددة، والألسنة الحداد تتكلم في الأعراض، ثم اعلموا -حفظكم الله- أن من القضايا التي أريد أن أذكرها في أول هذه المحاضرة: هي اجتماع المسلمين على الكتاب والسنة ضرورة يمليها الشرع والواقع، وقد اجتمعت الأمم على ملل محرفة وعلى أطروحات باطلة، وتسعى الآن الهيئات لجمع نفسها -لأن الاجتماع أصبح ضرورة- على مصالح مشتركة، ووفاق دولي، وأخوة إنسانية، وعمل اقتصادي، وتنظير سياسي، إلى غير ذلك من أطروحات البشر، أفلا نجتمع نحن أهل الإيمان أمام هذا الزحف الكافر؟! إنها ضرورة!