[قصة موسى وفرعون]
أعود إلى موسى وفرعون:
قوله: (وليدع ربه) أي: أتحداه وأتحدى ربه، وهذا منطق الكفر والإلحاد، وسوف أذكر لكم نماذج من الإلحاد المتطور الذي دخلت عليه التكنولوجيا، الإلحاد الذي بلغ النجوم وتطور مع الأصل.
{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} [غافر:٢٦] عجيب! أصبح فرعون واعظاً! أصبح حليماً حكيماً ويخاف أن يبدل دينكم؛ أتظن يا فرعون أن موسى حداثياً أو علمانياً، أو مطرباً.
قال: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:٢٦] يخاف أن يزعزع الأمن؛ فزعزة الأمن تأتي من موسى وأمثاله، أما مروج المخدرات فلا يزعزع الأمن! أما الذي يكتب الكفر في الصحف ويشتري الزندقة ويرسلها في البلاد طولاً وعرضاً، ويأتي بصور الجنس والفيديو المهدم فلا يزعزع الأمن! لكن موسى لأنه يخطب الجمعة، وتخاف أن يظهر في الأرض الفساد تخاف على الأمة منه.
متى كان فرعون حكيماً ومتى كان المجرم حليماً؟ الذي يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:٥١] فأجراها الله من فوق رأسه.
ويقول كما قال تعالى: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨].
قال ابن تيمية: "ولم ينكر الصانع ممن سبق إلا فرعون" أنكره في الظاهر وأما في الباطن فإنه اعترف به، ولذلك قال له موسى كما قال الله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:١٠٢] لقد علمت أيها المجرم! أيها الخسيس الملحد! أن ما أنزل هذه الآيات إلا الله، الليل والنهار، الشمس والقمر، الهواء والماء والضياء؛ كلها من رب الأرض والسماء.
دخل موسى يدعو إلى لا إله إلا الله، إلى التوحيد، فقال له المجرم وهذا من رعونته وفشله: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:٤٩] قال الزمخشري: لله در موسى من جواب:
قال موسى كما قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٥٠] ولو قال موسى: ربنا حكيم: لقال أنا حكيم، لأنها صفة نسبية مشتركة، ولو قال: ربي عليم، لقال: أنا عليم، لأنها أيضاً صفة نسبية مشتركة، ولو قال: ربي قدير، لقال فرعون: أنا قدير، لأنها صفة مشتركة، لكن قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٥٠] قال: فلكمه على وجهه، أي أعطاه كفاً حاراً على وجهه وهذا فعل طائش.
وانظر إلى
الجواب
أعطى كل شيء خلقة، أعطى النملة خلقها، مع النملة قلب وعينان، وأذن وسمع وبصر، تأخذ الحبة وتدخرها للشتاء، من علمها أنه سوف يأتي الشتاء؟! من علَّم النحل أن تجتني الثمرة وتجمعه في الخلية، فيخرج عسلاً، ومن علَّم الطفل يوم خرج من بطن أمه أن يرضَع من ثدي أمه ويتناول اللبن؟ ذاك هو الله.
والنحل قل للنحل يا طير البوا دي ما الذي بالشهد قد حلاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا
وينتهي الصراع مع موسى وفرعون بنتيجة مخزية لفرعون، يقول الله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:٨].
لقد أخطئوا كثيراً ولقد أساءوا في الحسبان، عندما تمردوا على الله، وحاربوا المساجد، وأدخلوا الجنس البلاد، لقد دعوا إلى نزع الحجاب عن المرأة، والعلمنة والحداثة سفاحاً جهاراً نهاراً، إنهم كانوا خاطئين، فأغرقه الله في البحر، وانتصر موسى وبقي التوحيد، واستمر العهد، ولكن الصراع لم ينته بعد، وينتهي الصراع يوم يقول الله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧].
فيا شباب الصحوة! ربما تذَّمر متذمر، وخاف خائف من كثرة المفاسد وهذه هي الحياة، فالرسول عليه الصلاة والسلام أخلص الناس، وأصدقهم وأبرهم، لم ينه المفاسد في عهده، وما زال الفساد موجود.
جلد صلى الله عليه وسلم الزاني، ورجم الزاني الثيب، وجلد شارب الخمر، وقطع يد السارق، وقتل القاتل، وهذا دليل على وجود الفساد في ذاك المجتمع، لأن سنة الله وحكمته وأمره نفذ، وهي سنة كونية أن يكون هناك صراع عالمي بين الخير والشر، وتستمر الملحمة.