حضرت الوفاة كما روى الإمام مسلم حضرت عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فبكى بكاء طويلاً، حتى أشفق عليه الناس، ثم حول وجهه إلى الحائط، وكان عمرو بن العاص فاتح مصر في عهد عمر رضي الله عنه، وداهية العرب، يقول عمر:[[رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب]] لدهائه وسياسته، فلما حضرته الوفاة بكى بكاء عظيماً، فقال له ابنه عبد الله: ما لك تبكي يا أبتاه؟ قال:[[إني كنت على طباق ثلاث؛ كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، فلو مت على تلك الحالة لخشيت أن أكون من جثا جهنم، وكان أبغض الناس إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلمت، فقدمت عليه في المدينة، فلما رآني هش وبش في وجهي صلى الله عليه وسلم، وقام وحياني وأجلسني بجانبه، فمددت يدي وقلت: يا رسول الله! مد يدك لأبايعك، فبسط يده فقبضت يدي، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط يا رسول، قال تشترط ماذا؟ قلت أن يغفر ذنبي، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: يا عمرو! أما تعرف أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها، قال عمرو فأسلمت، فوالله ما كان أحد من الناس أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما ملأت عيني إجلالاً منه، والله لو سألتموني الآن أن أصفه لما استطعت أن أصفه، فلو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم لعبت بي الدنيا ظهراً لبطن فلا أدري!! هل يؤمر بي إلى الجنة؟ أم يؤمر بي إلى النار؟ ولكن معي كلمة سوف أحاج بها عند الله، ثم قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ثم قبض يده وغسل ويده مقبوضة، وأدخل إلى أكفانه وقبره ويده لا تزال مقبوضة، ويقول وهو في سياق الموت:[[حلوا أزراري، فسأله ابنه: كيف تجد الموت، صف لنا الموت؟ قال: كأن جبال الدنيا على صدري، وكأنني أتنفس من ثقب إبرة، ثم قال: حلوا أزراري فإني محاسب في قبري علي أن أدافع عن نفسي]] رضي الله عنه وأرضاه.
والشاهد: أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم:{إذا أسلم العبد وحسن إسلامه} قال ابن حجر: حسن إسلامه، أي حسن بالإخلاص، فلم ينافق في الدين، ولم يراء، ولم يطلب بعمله السمعة والنفاق، حسن إسلامه؛ فلم يصر على الصغائر والكبائر، ولا يشترط في المسلم أنه لا يذنب أبداً، لأنه ليس ملكاً من الملائكة؛ لأنها ما خلقت للتكليف، ولا تبتلى بالذنوب، وأما الإنسان المسلم أو غيره فإنه يدخل في الذنب، ويغفر الله له بالتوبة.