[عدم إخلاص الولاء والبراء]
السبب التاسع: عدم إخلاص الولاء والبراء: من هو ولينا؟ هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هو الذي كرمنا بهذه الرسالة ورفع رءوسنا بين الناس {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١] هذا نسب {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩] والولاء لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
والله يخبرنا من هم أولياؤه؟
وما هي مواصفاتهم؟
وما هي شهاداتهم؟
وما هي ألوانهم؟
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢ - ٦٣] مؤمن متقٍ، ثم اسكن في خيمة، أو في قصر، أو في بيت من طين، أو في عش، لكن كن ولياً لله، كن مصلياً صائماً صادقاً متجهاً إلى الله، فأنت ولي الله والله وليك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:٥٥ - ٥٦] وتفاجأ أحياناً يوم تجد بعض الناس يرافق رجلاً كافراً لا يصلي ولا يصوم، لماذا ترافقه؟
قال: صديقي.
قلت: أترافقه وتحبه وتأكل معه وتنام معه وهو كافر!؟
قال: زميلي في العمل وأنا إذا انفصلت عنه جرحت مشاعره!
سبحان الله! عدو لله وأنت تتولاه! بغيض إلى الله وأنت تحبه! متهتك في حدود الله وأنت تتقرب منه! يعني: ليس عندنا ولاء ولا براء.
كان السلف الصالح إذا ترك الرجل المسجد هجروه {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} {بين المسلم والكافر ترك الصلاة}.
إلى عهد قريب كان في بعض المدن والقرى إذا ترك الرجل منهم الصلاة في المسجد حاسبوه، حتى يذكر أنه في ناحية من النواحي كان إمام المسجد يحضر الجماعة بعد صلاة الفجر، فلان حاضر، فلان حاضر، فأتى رجل فترك الفجر يوم جمعة فلم يصل معهم، فلقيه الإمام بعد الجمعة، قال: لم تصل معنا الفجر يا فلان اليوم، قال: والله أخبرني الجماعة أنكم لا تُحضِّرون يوم الجمعة، يعني: كأنه لم يحضر إلا للتحضير.
وفيها قصص طويلة، وكان فيها تعزير وتأديب، ولكن تفصمت المسألة حتى أن الإنسان يمر ببيت جاره ويراه ويصلي ويعود وهو في بيته ولا يقول: أف، بسبب موت القلوب، هذه هي الفتن.
التاسع -كما قلت- عدم إخلاص الولاء والبراء، حتى تجد الناس لا ينزلون بحسب إيمانهم، ولي الله عز وجل ولو كانت وظيفته قليلة فالواجب أن يحترم ويقدر، لكن الناس الآن ينزلون بحسب مراتبهم في الدنيا، ولو كانوا أعداء الله عز وجل يقدر لمنزلته لا لدينه، يعظم ويحترم ويصدر في المجلس بينما ولي الله عز وجل يجلسونه آخر الناس، لأنه ليس لولائه ولا لحبه ولا لقدره قدر.
دخل مجموعة من الشباب على عمر بن عبد العزيز -والقصة مكررة، لكن أعرضها الآن لمعرفة الولاء وقيمة الناس- دخل عليه مجموعة من الشباب وعمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد مجدد القرن الأول كان يحكم اثنتين وعشرين دولة إسلامية بلا إله إلا الله، كان في بيت من طين، كان عمر بن عبد العزيز ليس عنده إلا ثوب يغسله يوم الجمعة ويبقى في فراشه حتى يجف الثوب، ثم يقوم ويخطب في الناس، كان ينادي: من عنده مظلمة؟
من الذي ظلم؟
يقول أحد ولاته: والله إني بحثت في الصدقة -يعني: الزكاة- في بيوت لعلي أجد فقيراً، والله لم أجد فقيراً، لقد أغنى الناس، كان يقول: أين المقعدون؟
أين الفقراء؟
ينادى كل جمعة أين طلبة العلم؟
ومع ذلك رزقه الله رزقاً حلالاً واسعاً في ميزانية الدولة الإسلامية في عهده حتى قالوا: إن الفضة والذهب تصبر صبراً في المسجد {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ} [الأعراف:٩٦] وهذه بركات الله عز وجل.
المقصود: دخل عليه مجموعة من الشباب، قال لأحدهم: من أنت؟ قال: أنا ابن الأمير في عهد عبد الملك بن مروان -عهد الخليفة السابق- فسكت، سواء ابن أمير أو غيره، والثاني قال: أنا ابن قائد الجيش في عهد الوليد بن عبد الملك، فسكت، قال للثالث: وأنت؟
قال: أنا ابن قتادة بن النعمان الصحابي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي ضربت عينه بالسيف فسالت عليه إلى خده، فردها عليه الصلاة والسلام بيده، ثم قال الشاب:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فبكى عمر بن عبد العزيز والتفت إلى الشاب، قال: حياك الله.
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ شيبا بماءٍ فعادا بعد أبوالا
يقول: هذه المكارم، وهذه المواصفات والمؤهلات التي يفتخر بها الإنسان.