للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مراقبة الله لعباده]

الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وحجة الله على الناس أجمعين، خيرة المتقين، وصفوة الأولياء الصادقين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أمَّا بَعْد: فكما يقول الناظم:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب

أورد أهل العلم أن رجلاً خلا في غابةٍ بمعصية، وظن أنه لا يراه أحد، رأى الشجر قد غطَّاه فنسي الله، ورأى الليل قد حماه وتكنفه وآواه ونسي الله، فيقول في نفسه وقد أقبل على المعصية: لا يراني أحد، ولا يعلم بي أحد، فسمع هاتفاً يقول: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه براعي غنم في طريق المدينة، راعٍ يرعى ضآن لكنه يحمل عقيدة الإيمان ويخاف الرحمن، قال له عمر: [[بعني شاةً من غنمك؟ قال: الغنم لسيدي، وأنا مولىً عنده، قال: إذا سألك عن الشاة فقل: أكلها الذئب -يريد أن يختبر إيمانه- قال: لا إله إلا الله، كيف أقول: أكلها الذئب، فأين الله؟!! فجلس عمر يبكي ويقول: أين الله]].

فهل سأل كلٌ منا نفسه أين الله؟

هل سأل المسئول نفسه في الدائرة، وفي العمل، وفي المؤسسة أين الله؟

فحاسب نفسه على الساعات، وحاسب نفسه على المعاملات، وحاسب نفسه على الإجراءات، وهل سائل نفسه عن الناس الذين أوقفهم، وعذبهم على معاملاتهم، وقطع أوقاتهم، وأتعب أحوالهم، أتوا من القرى والبوادي فترك معاملاتهم وإجراءاتهم، وأوراقهم، عذبهم؛ لأنه نسي الذي على العرش استوى.

وهل سأل الموظف نفسه، يوم يأخذ مالاً حراماً، ومرتباً حراماً، ويكدس معاملات الأمة، فيخون الله، ويخون ولاة الأمور، ويعذب الناس والشعب، هل تذكر أن الرحمن على العرش استوى سوف يسأله عن هذه المعاملات، وعن هذه المسئوليات، وعن هذه المرتبات، وعن هذه الأوقات؟ يخرج من على كرسيه فيهيم في السكك والشوارع، أو يأخذ انتداباً فيزيد في الأيام، ويأكل الحرام، ويأتي وما أدى عمله؛ فيطعم زوجته حراماً، وأطفاله حراماً، ويبني بيته من الحرام، ويشتري سيارته من الحرام، هل تذكر أن الرحمن على العرش استوى؟

ويأتي الأستاذ إلا من رحم ربك فيدخل على طلابه، لا يحمل رسالةً، ولا يحمل إيماناً، ولا يحمل مادةً علمية؛ فيزجي الحصص، ويضيع السنة، ويفسد في المادة، ويضيع القلوب، ويخرج وهو لم يقدم لأبناء المسلمين إيماناً ولا علماً ولا نفعاً ولا فائدة، فلماذا لا يتذكر أن الرحمن على العرش استوى.

وقد يوجد من القضاة من يرى الباطل يدندن في محكمته، والزور يُعمل في قضائه، والرشوة تتناول، والظلم والحيف، والاعتداء على الضعفاء والمساكين منتشر، فهل تذكر أن الرحمن على العرش استوى.

ويأتي البائع فينسى الرحمن الذي يعلم السر وأخفى فيغش في بيعه، ويدجل في أخذه وعطائه، مرابٍ، مدلسٍ، مزور، ظن أنه فات عن الله، فوالله ما ذهب عن قبضة الله.

ومقصود رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام أن تعلم الأمة بباريها تبارك وتعالى، وأن تقود القلوب إلى فاطرها، وأن تقيم العدل والحق والسلام في العالم.

وإذا تذكر الناس مولاهم، وتذكروا أنه يراهم، وأنه يعلم سرهم ونجواهم؛ صلح الحال، لكن غابت مراقبة الله وخشيته؛ فأكل الحرام والربا، ووجد الزنا، وانتشر الغناء، وغش في البيع والشراء، وخان الموظف -إلا من رحم ربك- في وظيفته، ودجل في عمله، ونقّص الأستاذ من مهمته، وتفلت الطالب على حصته ودراسته، وذهبت العيون إلى المحرمات، وكثر الفساد، وضاع العباد، وقحطت البلاد.

سددنا ما بيننا وبين السماء بالمعاصي، ثم قلنا: يا رب! يا رب! يا رب! اسقنا، فما كان لدعائنا رداً، وما كان لدعائنا نجاحاً وفلاحاً؛ لأن معاصينا تغدو وتروح، ولأن ذنوبنا تفوح، فنشكو حالنا إلى الله، إلى الرحمن الذي على العرش استوى.

عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلَّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.

وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانك إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وما ترضاه.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، ووفقنا للحق، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ولا فاتنين ولا مفتونين، ولا مضيعين ولا مفرطين يا رب العالمين.

اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك.

اللهم انصر المجاهدين الأفغان؛ اللهم ثبتهم، وانصرهم، وارفع كلمة الحق بهم.

اللهم انصر المجاهدين في فلسطين؛ اللهم انصرهم على اليهود، أعدائك وأعداء المرسلين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم رد شباب المسلمين إليك رداً جميلاً، كفِّر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، وتقبل منهم أحسن ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>