يقول الغزالي في الإحياء: من مقاصد الصيام أن تخفف الوجبات، فإذا جمعت الإفطار والغداء والعشاء بعد صلاة المغرب فكأنك ما صنعت شيئاً، فقد جمعتها دفعة واحدة، والذي يلاحظ على الناس أنهم يذهبون أوقاتهم وأموالهم في رمضان، فيعددون من أشكال الأطعمة ما الله بها عليم، وسوف ترى الأسواق بعد ليال تمتلئ بالمارة والمشترين من كل الأنواع، من أحمر وأصفر، وحلو ومر، ومطعوم ومشروب، ومكسور وملتوت ومفتوت، حتى أنك ترى المائدة ولا تعرف ماذا تقرأ عليها من الأسماء وبعضهم يأكل من كل نوع لقمة كـ المأمون، ثم يقوم إلى الصلاة وقد بقي الطعام بحاله، وهذا فيه نظر حتى في الطب، قال أهل الطب: إذا نوعت المطعومات أصبح الجسم قابلاً للأمراض، وكلها بإذن الله، لكن من أسباب الأمراض تركيب الغذاء الذي أكثرنا منه، كالحلويات والمشروبات والقلويات والحمضيات، وما أدارك وهيهات هيهات، فهذه هي أسباب المرض.
ومن مفاسد كثرة الأكل: أنها خسارة في المال، ونعوذ بالله من قوم أذهبوا أموالهم في بطونهم وأجسامهم، وهؤلاء يأتون يوم القيامة وهم من أفقر الناس، فإن الناس قد دفعوا أموالهم لإطعام المساكين، وإعطاء المحتاجين، وهؤلاء فقط في المطاعم والمشارب، وقد صح عن ابن عباس مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم:{أن الله يقول يوم القيامة للعبد: يا بن آدم! جعت فلم تطعمني.
قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي، يا بن آدم! مرضت فلم تعدني.
قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته وجدت ذلك عندي}.
فعلينا أن ننفق ما زاد من الأطعمة والأموال للفقراء والمساكين، فإنا -والله- نعرف أسراً وبيوتاً كثيرة يعيشون هَمَّ النفقة في رمضان.
الأمر الثاني: أن فيها إرهاقاً للأهل، كالأم والزوجة والأخت، بل إن كثيراً من النساء لا تعبد الله في النهار؛ لأنها مشغولة بالإفطار، فإذا استيقظت من نومها بقيت في المطبخ تشتغل وتحضر وتطبخ وتقلي إلى صلاة المغرب، وعرقها يتصبب من أجل هذه البطون، وهذا أمر معلوم، حتى أن بعض النساء لا تقرأ من القرآن شيئاً، إنما هي في إحضار الطعام، وما بقي إلا أن يستدعى الدفاع المدني في المطبخ (خطر ممنوع الاقتراب) بسبب الشربة والسمبوسة، واللقيمات والطعميات، والرز المحروق والرز المفلفل، والأبيض والأحمر والأصفر، فتبقى في هم، تحضر هذا وتسحب هذا فأين معاني رمضان في حياة المرأة؟
لماذا لا نكتفي بثلاثة أنواع أو أربعة؟ التمر وشيء من الخبز، وشيء من الشربة، وشيء من الرز فقط، هكذا أربعة أنواع، نرتاح ونريح، أما أن نأخذ ثلاثين أو أربعين شكلاً فهذا فيه خطأ في الحسبان، وحتى الكفرة غير المسلمين لا يفعلون هذا من باب الاقتصاد في حياتهم؛ لأنهم أجادوا في الحياة، وأجادوا في الطعام والشراب، كما قال سبحانه:{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:٧]{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل:٦٦].