[حمل صفوان لعائشة على جمله]
وفي الصباح أتى رجل من الصحابة من أهل بدر الذين اطلع الله عليهم، فقال: {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} هذا الرجل اسمه صفوان بن المعطل السلمي، وكان من أهل بدر ومن الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٢٣].
هذا الرجل له مواقف في الإسلام؛ لكن فيه فطرة من فطر الله وجبلة، فقد كان نومه شديداً لا يستيقظ إلا بصعوبة حتى سأل الرسول عليه الصلاة والسلام أنه تفوته صلاة الفجر، قال: {ليس في النوم تفريط الحديث}.
وعند الإمام مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه وأرضاه صلى بالناس الفجر فأخذ يتلفت في وجوه الصحابة، كان عمر محاسباً دقيقاً عملاقاً، يستخرج الرءوس التي لا تصلي، فكان يتلفت في صلاة الفجر أين فلان؟! أين فلان؟! فيقولون: مريض، ويقولون: ذهب يأخذ عمرة، ويقولون: مسافر، ويقولون: فيه كذا وكذا، قال: أين صفوان بن المعطل؟ قالوا: لا نعلم، فخرج عمر فطرق على أهل صفوان، وقال: أين صفوان؟ ما صلى معنا الغداة- يريد عمر من الصحابة ما يريده لنفسه من النجاة من النار والعار والدخول في الجنة، قالوا: لقد نام عن صلاة الفجر؛ فقد جلس يصلي في الليل حتى اقتربت صلاة الفجر ثم نام، فقال: [[أوَّه! لئن أحضر الفجر في جماعة خير من أن أقوم الليل كله]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه، هذا فقه الفرائض وتقديمه على النوافل.
الشاهد أن صفوان نام واستيقظ بعد طلوع الشمس فصلى الفجر ثم أتى إلى المطرح -كان عنده جمل- نام عن الجيش فارتحل الجيش، فرأى عائشة متحجبة مصونة تسبح الله مكانها، تتصل بالواحد الأحد يقول ابن رجب: لما وضع يوسف في الجب أخذ يسبح الله عز وجل فسمع هاتفاً يقول: يا يوسف! اذكر الله يذكرك، قال ابن رجب: هدأت الحيتان في البحر والضفادع في الماء وسكتت من التسبيح وما سكت يوسف عليه السلام:
يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني
وعدا الظلوم عليَّ كي يجتاحني فنصرتني
فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني
أخذت تسبح مكانها وتتصل بالواحد الديان.
يونس بن متى وقع في بطن الحوت وفي ظلمة اليم والليل، قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧] فنجاه الله لأنه كان من المسبحين.
فأتى صفوان فقالت عائشة كان يعرفني قبل الحجاب، وفيه دليل على أنه لما نزل الحجاب كانت المسلمة تغطي وجهها بعد الحجاب- وهذه رواية البخاري وعودوا لها في المغازي المجلد السابع في الفتح وهي مثبتة ولو أنكرها بعض الناس احتجاجاً أن الحجاب لا يدخل في الوجه- قالت: كان يعرفني قبل الحجاب فلما نزل أمر الحجاب غطت وجهها فما عرفها، فقال: الله المستعان! زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال للجمل: أخ أخ أي: حتى يبرك وهي لفظة تستخدم عند العرب ليبرك الجمل ويهبط على الأرض، فبرك جمله.
قالت: والله ما كلمني كلمة -انظر إلى الحياء! - وإنما سمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! الله المستعان! فركبت على الجمل وأخذ يقود الجمل ويمشي أمامها، وهي خلفه على الجمل ما كلمته ولا كلمها، حتى اقترب الظهر فوصلوا إلى المطرح الثاني الذي نزل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، أما الرسول صلى الله عليه وسلم ففقدها قبل وصولها بوقت قصير فعرف أنها سوف تأتي، وإذا بها مقبلة بالجمل ورجل من أهل بدر يقود الجمل، وهي امرأة الرسول عليه الصلاة والسلام والله يراقبها ويراقبه من فوق سبع سماوات:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
فأما الذين آمنوا فزادهم إيماناً وما شكوا في عائشة وصفوان بن المعطل.