من المسائل التي يمر بها الشباب وما استطاع إلا القليل أن ينضبط فيها مسألة التوازن في الحياة، أن يوفق بين متطلبات الدين والدنيا، أن يكون وسطاً، ألا ينقص جانبٌ من حياته جانباً آخر، الآن علماء الفلسفة يرون أن الدخول إلى الجنة من باب النظر والتأمل، والصوفية يرون أنها في الزوايا فقط، والمجاهدون يرون بأخذ السيف فقط، وطلبة العلم يرون بالتحصيل، والفقهاء يرون بالفتيا.
وانظر إلى أهل البضائع: إذا جئت إلى مفكرٍ أو داعيةٍ يهتم بالجهاد والذهاب إلى أفغانستان، تجد خطبه في الجمعة ومحاضراته عن الجهاد والمجاهدين، وعن الشهداء وكراماتهم وما وقع في أرض الجهاد، ويرى أن الإسلام هو الجهاد، ويأتي طالب علم عاشق للعلم، وحديثه ودروسه وخطبه في طلب العلم، تناقشه في الجهاد فيسكت ولا يتفاعل معك، تأتيه في العبادة فلا يتفاعل معك، إنما في طلب العلم ليلَ نهار، وتأتي إلى العابد في النوافل يريد الحديث أن يكون فيه، والذي جمع الجميع هو محمد عليه الصلاة والسلام، وأعتقد أن تغليب جانب على حساب الجوانب الأخرى نقص
ربما في الإنجاز وربما في القدرة العلمية، وربما في الطاقة، كلٌّ ميسر لما خلق له:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً}[الرعد:١٧] فكل شيء بقدر.
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
إذا علم هذا -أيها الإخوة- فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى بحياة وسطية، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}[البقرة:١٤٣] وأنا ذكرت قصة الشباب الذين أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن يجعلوها صلاةً وصياماً وقراءة قرآن ويتركون جميع الحقوق، حق الضيف، وحق العين، وحق الأهل، وربما يجعلون الحق كله لله ويتركون هذه الحقوق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحدهم وهو ابن عمرو:{إن لربك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه} هل سمعت أحسن من هذا التوازن؟!