وقال عليه الصلاة والسلام:{يتلون كتاب الله إلا نزلت عليهم السكينة} والسكينة من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد نزلها على رسوله عليه الصلاة والسلام في الغار، ويوم حنين، وفي مواطن كثيرة، وهي اطمئنان وبرد وسلام، وراحة، وسعادة ينزلها الله على القلوب، فتسعد سعادة ما بعدها سعادة، وتفرح وتتمايل أشجارها، وتسيل أنهارها، ويسيل القلب في طرب شرعي لا يعلمه إلا الله.
فإذا نزعت السكينة من هذا القلب، أصبح خائفاً، ومضطرباً، وقلقاً، وفزعاً، لا يستقر على شيء {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨].
وهذه السكينة تحصل بالإيمان، وتحصل بمجالس الذكر التي يذكر فيها الرحمن.
في الصحيح أن أسيد بن الحضير رضي الله عنه وأرضاه؛ وهو أحد الأبطال الكبار، قيل: إنه قتل في معركة اليمامة رضي الله عنه وأرضاه وهو من الأنصار، وكان مقداماً، وقتل عديداً من الكفار، وهو من سادات بني عبد الأشهل {قام يصلي بالليل ويقرأ سورة الكهف بصوت شجي، فكانت فرسه تدور في مكان البيت، وتكاد أن ترفس، أو أن تطأ ابنه وهو نائم، فلما كادت أن تقطع حبلها، أنهى صلاته وسلم ثم أخذ الفرس ونظر إلى السماء، فإذا ظلة كالمصابيح فوق البيت، فوقف مدهوشاً مذهولاً، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره قال: أرأيتها؟ قال: نعم.
قال: والذي نفسي بيده إنها الملائكة تنزلت لسماع قراءتك.
قال: ولو بقيت تقرأ حتى الصباح لرآها الناس لا تتوارى عنهم} {}[الإسراء:٧٨] قال مجاهد: تشهده الملائكة، وما أحسن العبارة! ما أحسن التفسير! قال:"تشهده الملائكة" وقال غيره: تشهده ملائكة السماء.
والمقصود هنا بالقرآن قيل: هو قرآن الفجر الذي يتلوه الإمام في صلاة الفجر وقال غيرهم: القرآن بعد الفجر، والقرآن قبل الفجر، والصحيح كلها، فإذا بدأ الإمام يقرأ في صلاة الفجر نزلت الملائكة تشهد وتسمع القرآن الذي هو كلام الله عزوجل، وهذه من السكينة.