للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البرامكة ضيعوا الله فضيعهم]

كان البرامة وزراء لبني العباس، فأعطاهم الله المال من الذهب والفضة، وطلوا قصورهم بكل شيء من الألوان، حتى قال بعض المؤرخين: كانوا يطلون قصورهم بماء الذهب! لكنهم ضيعوا أوامر الله، فالمعصية في داخل القصور؛ غناء وخمر ومجون وضياع وتضييع للصلاة، وزنا وفحش، فأخذهم علام الغيوب الذي يمهل ولا يهمل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] فسبحانه ما أقدره! ولا إله إلا الله ما أعظمه! ولا إله إلا الله ما أجله! ورد في أثر قدسي: {رقاب الملوك بيدي إذا أردت أن أقصم ملكاً قصمته} وصح في الحديث: {الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ من نازعني فيهما عذبته}.

فهؤلاء الوزراء أخذوا في غداة واحدة، سلط الله عليهم أحب الناس إليهم وهو هارون الرشيد، الذي كان صديقهم وأخاهم وهو الخليفة، فغضب عليهم ضحى (قبل الظهر) فأخذ شبابهم، فقتلهم بالسيف قبل الظهر، وأخذ أشياخهم فأودعهم في السجن، وأخذ أبناءهم فجعلهم في المستعمرات تحت الأرض، وأخذ النساء فأوصد عليهن في الغرف.

بكاء هنا وبكاء هناك، ودمع هنا ودمع هناك.

قيل لـ يحيى بن خالد البرمكي: ماذا أنزلكم في هذا المنزل في الظلام بعد هذه النعم، بعد الذهب، والحرير، والديباج؟! قال وهو يبكي: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها وما غفل الله عنها!

جاءت تردى تمشي رافعاً ذراها أولها ردت على أخراها

قيل لـ علي أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه: كم بين العرش والتراب؟ قال: دعوة مستجابة.

لم يجب بالأميال ولا بالكيلومترات ولا بالمقايسات، وإنما قال: دعوة مستجابة يرفعها الله على الغمام حتى تصل إليه، ثم يقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.

وكان عليه الصلاة والسلام يقول لـ معاذ فيما صح عنه: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب}.

أُخِذ البرامكة، فبقي الشيخ أبوهم في السجن سبع سنوات، طالت أظافره، وطال شاربه، ما وجد مقراضاً يقلم أظفاره ما وجد مقصاً يأخذ من شاربه، كان يتوضأ ويقضي حاجته في مكانه وفي زنزانته، وهو يبكي بعد النعيم، وبعد السرير والديباج.

باتوا على قمم الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز من معاقلهم إلى مقابرهم يا بئسما نزلوا!

{فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤].

من الذي يصرف الأمور إلا الله؟! من الذي بيده المقاليد إلا الواحد الأحد؟! من الذي يأخذ رقاب الناس ويأخذ لهذا من هذا إلا الله؟! فاعتمد على الله، ولذلك ندد الله بالمشركين والمتخلفين والفجرة فقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:٣].

<<  <  ج:
ص:  >  >>