للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإكثار من الصدقة]

من هدي الإسلام في رمضان ومن سنن رمضان: كثرة الصدقة، بالقليل والكثير، يعني تكون يمينك كالريح المرسلة، لا يشترط أن يتصدق بالألوف، بل ريال واحد ينفعك عند الله ولو بصلة، ذكر الذهبي عن أحد الصالحين أنه: ما خرج إلى الصلاة إلا تصدق بشيء، فإن لم يجد أخذ بَصلة من بيته ووضعها في يد فقير.

والله! يوم القيامة يحتاج الإنسان ولو إلى بصلة أو إلى قرش واحد أو كسرة خبز، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن لله ملكين يناديان كل صباح يقول أحدهم: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تصدق من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تصبح كـ جبل أحد} يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:٩٦] ويقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦١] {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:٢٧٤].

كثير من الناس يقول: الآن ليس في الناس فقر، كلهم مرتاحون والحمد لله، كل إنسان مستور في بيته وهذا خطأ، بل فيهم فقراء، وأنا عندي اثنا عشر معروضاً لاثني عشر من الذين وقعوا في أزمة مالية، أحدهم تحمل رقاباً، وآخر هو وذريته وأهله لا يجدون دخلاً لا شهرياً ولا سنوياً، طلبة أتوا من بلادهم يدرسون بأهلهم ولا يجدون سكناً ولا طعاماً ولا شراباً، وهؤلاء تحق فيهم الزكاة، فلا يقول أحد من الناس: ليس في الناس فقر، فاغتنم رمضان في الصدقة، واغتنمه في الزكاة، واغتنم أن تعتق رقبتك من النار.

أحد الصالحين - عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير - كان يسأل عن ديته ثم يدفع ديته في رمضان حتى أعتق نفسه واشترى نفسه من الله أربع مرات، ويوم حضرته الوفاة قال: "اللهم إني اشتريت نفسي منك أربع مرات، اللهم لا تخزني يوم يقوم الأشهاد، اللهم لا تخزني يوم يقوم الأشهاد" هذا الرجل الصالح كان إذا صلى الفجر قال: "اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فحضرت صلاة المغرب، فقبض الله روحه في السجود في صلاة المغرب في آخر ركعة": {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:٢١] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩] الجنة لا تُدخل بالمؤهلات، ولا تعرف الجنة دكتوراه أو ماجستير: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:١ - ٣] قالوا: تخفض أناساً كانوا مرفوعين في الدنيا، لا ينظرون إلى البشر، فتجعلهم يوطئون بأقدام الناس، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم قال: {يحشر المتكبرون يوم القيامة على صورة الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم} وترفع أناساً كانوا مخفوضين، ينامون على الأرصفة، فهم فقراء لكنهم أهل سجود، وخشوع، وتبتل، وإقبال على الله.

محمد إقبال ينظر إلى المساجد والوعظ، وإلى حياة الأمة الإسلامية وما وقعت فيه، قال:

أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال

وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال

ثم يقول:

وعند الناس فلسفة وفكرٌ ولكن أين تلقين الغزالي

وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوتٌ من بلال

منائركم علت في كل ساحٍ ومسجدكم من العباد خالي

<<  <  ج:
ص:  >  >>