للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عطية وأبي محذورة]

وروى الطبراني عن أبي عطية البكري قال: {انطلق بي أهلي فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وأنا طفل، ثم مر على خدي، فنبتت لي لحية بعدما كبرت، ورأسي لم يصبه الشيب أبداً} أصبح في المائة وهو أسود الرأس أسود اللحية.

وهذا مثل حديث أبي محذورة الذي رواه أحمد والبغوي: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع أذان أبا محذورة} حتى أن أبا محذورة صار مؤذناً مشهوراً وأبناؤه أخذوا الأذان بعده وأبناء أبنائه في مكة، وكان إذا أذن توقف الناس: صاحب الحديث يتوقف، والمتكلم يسكت، والذي يأكل الطعام ينصت، والماشي ينتظر؛ من حسن صوته، حتى يقول مجنون ليلى من شهرة أبي محذورة:

أما ورب الكعبة المعمورة وما تلا محمد من سورة

والنغمات من أبي محذورة لأفعلن فعلة مشكورة

فهذا أصبح مشهوراً عند الناس، وبالمناسبة ذكر الذهبي أن أحد أبناء أبنائه كان مؤذناً، وكان فيه غفلة من غفلة الصالحين، فبعض الناس طيب وصالح، وفيه خير، لكن تأتيه غفلة، فكان يؤذن وبجانبه مغنٍ يغني بعود في بيت بجانب الحرم، فلما أراد أن يقول: حي على الفلاح، سمع ذلك يقول: إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم؛ لأن مجنون ليلى له قصائد يقول في بعضها:

صغيران نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

هذا في عالم الشقاء، عالم الضياع، عالم الغرام والوله والعبث، يقول: يا ليتني أنا وليلى هذه كنا صغيرين نرعى البهم ولا تكبر هي ولا أكبر أنا لأنهم حجبوها بعد ما كبرت، كنا نرعى البهم حتى نموت، وهذه أمنيته في الحياة، الناس تقطع أعناقهم في بدر وفي أحد، والملائكة تتنزل من السماء، والجنة مفتوحة وأنت تريد أن تكون أنت وهي ترعون البهم حتى تموتون.

يقول الشافعي: رأيت رجلاً في المدينة يعلم النساء الرقص، ويعلم الأطفال الضرب على الطبل، فإذا جاءت الصلاة صلى جالساً!! تعبان من الخدمات!

وأنا رأيت أناساً كباراً في الثمانين يعرضون ثلاث ساعات في العرضة، وإذا جاءت صلاة التراويح قال: ذبحتونا قتلتونا ما نقدر!

فهذا المؤذن سمع هذا يغني، فاختلط عليه الصوت يريد أن يقول: حي على الفلاح وإذا المغني يقول: لم نكبر ولم تكبر البهم فقال: حي على البهم، في مكة بالصوت المجلجل الطويل، وهذا ثابت ذكره الذهبي سيد المحدثين والمؤرخين.

أتينا إلى أبي محذورة سبب بركة الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه خرج يوم بدر يرعى الغنم مع كفار قريش، فأراد الله له الهداية، واقترب من المعركة، فسمع بلال بن رباح يرسل نغمات الحق تملأ الفضاء؛ صوت الخلود يملأ الوجود، صوت التوحيد يعلن على العبيد، الله أكبر الله أكبر، فأخذ أبو محذورة يستهزئ، وهو شاب غلام في الوادي، يكرر مثلما يكرر بلال، قال صلى الله عليه وسلم: عليّ بهم يقول: أحضرهم لنا، فأتوا بالشباب قال: من منكم أذن؟ يعني: يقلد بلالاً فسكتوا قال: أذن أنت قل: الله أكبر فأذن فقال: أنت، لأنه عرف الصوت بالصوت، فمسح رأسه ودعا له فأسلم، وأرسله مؤذناً في مكة، فلم يحلق أبو محذورة رأسه بعد أن مسحه النبي صلى الله عليه وسلم، ما دام أن كفه الشريف وصل إلى هذا الشعر ممنوع يحلق، قال: وهذا ثابت بسند صحيح في السيرة فبقي رأسه لم يحلق حتى إذا جلس وصل إلى الأرض، وإذا قام وصل تحت المحزم، تحت منتصف جسمه، ويعلق بعض الأدباء، وللأدباء إشراقات ولطائف أذكرها كما جاءت فلا تعلقوا يقول:

ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا

وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرّت في جوانبه بردا

هذا في وادٍ وهذا في وادٍ آخر.

ومن ذلك ما رواه الترمذي وحسنه -أيضاً- والبيهقي عن أبي زيد الأنصاري قال: {مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على رأسي وقال: اللهم جمله وحسنه} فأتت عليه مائة وبضع سنوات، وكان أجمل من الشباب، ليس في وجهه تجاعيد ولا تغير وجهه، ولا سقط له سن، وكان وجهه يلمع لمعاناً كحد السيف، من بركته عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>