للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من كلمات أبي بكر الدالة على شدة خوفه من ربه عز وجل]

وننتقل لنعيش مع أبي بكر في لحظات مؤنسة في حياته، وإلا فحياته كثيرة كثيرة، وطويلة طويلة.

عن معاذ بن جبل عند أحمد والحاكم قال: [[دخل أبو بكر حائطاً وإذا بدبسيٍّ في ظل شجرة -طائر جميل- فتنفس الصعداء، ثم قال: طوبى لك يا طير! تأكل من الشجر وتستظل بالشجر، وتصير إلى غير حساب، يا ليت أبا بكر مثلك]] يقول: ليتني مثلك طائر! هذا أبو بكر، والله على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، فكيف بنا؟!

وعند ابن عساكر عن الأصمعي قال: كان أبو بكر إذا مدح قال: [[اللهم أنت أعلم مني بنفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون]].

وعن مجاهد قال: [[كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع، وقال: وحدثت أن أبا بكر كان كذلك، وكان يقرأ سورة يوسف فإذا بلغ قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:٨٤] اندفع في البكاء، حتى لا يسمع لقراءته صوت من كثرة بكائه، وكثرة نشجيه]].

وقال أبو بكر فيما أُخرج عن قتادة يقول: [[وددت أنني خضرة، أو نبتة تأكلني الدواب]].

وكان يجلس كثيراً في حوائط المدينة، ويقول: [[يا ليت أمي لم تلدني]].

وكان كثير الزيارة للمقابر ليجدد عهده بالله عز وجل.

وكان يلبس ما خشن، ويعمل بنفسه رضي الله عنه وأرضاه، وكان مضيافاً للناس؛ يمتلئ بيته كل ليلة من الضيوف، فكان ينفق عليهم ويعطيهم.

يقول: [[حضرت الوفاة ابناً لـ أبي بكر الصديق، فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة، فلما توفي قالوا لـ أبي بكر: لحظنا ابنك يلحظ إلى وسادة، فدفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير أو ستة، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يتوجع، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! يا فلان! ما أحسب جلدك يتسع لهذا]] طفل لـ أبي بكر مات فكان الطفل ينظر إلى الوسادة، عنده دراهم كان يدسها، فلما مات لحظ أبو بكر، فرفع الوسادة فوجد خمسة دنانير، فيقول: ما أحسب جلدك يتسع لهذا، يقول: أخاف أن تحاسب، من شدة خوف أبي بكر، يقول: من أين أدخلتها؟ لأنه كان رضي الله عنه هو وعمر يحاسبون بيوتهم.

كانت امرأة عمر كما سلف، يأتيها دقيق، كان عمر يوزع الدقيق في كل صباح، لكل بيت وجبة من الدقيق للبيوت، فكانت امرأة عمر تأخذ قليلاً من الدقيق وتحجزه من حصتها، وهي ليست مخطئة وعادلة، فجمعته وجمعته، ولما جمعته أتت بجارية من جواري المدينة، وقالت: اذهبي إلى عمر في بيت المال، ولا تخبريه أن الدقيق من عندي، وقولي له: يعطيك بدل هذا الدقيق حلوى -تريد أن تأكل حلوى هي- فذهبت الجارية بالدقيق في كيس، جمعته من أشهر، فطرقت الباب على أمير المؤمنين وهو جالس، قال: [[من أين هذا؟

قالت: من المدينة.

قال: جارية من أنت؟

قالت: من آل فلان.

قال: من أرسلك بالدقيق؟

قالت: امرأة.

قال: أفي الناس من يخزن دقيقاً، والناس يموتون جوعاً؟

-عام الرمادة- قالت: يا أمير المؤمنين امرأة.

قال: من هذه المرأة؟

قالت: اعفني.

قال: لا أعفيك.

قالت: عاتكة بنت زيد امرأتك فأعاده إلى بيت المال، ونقص من حصتها دائماً بمقدار ما نقصتها]] وحافظ إبراهيم يقول:

لما اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها

قل للملوك تنحوا عن مناصبكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

أي: يأخذها في ساعة، ويعطيها في ساعة، هذا هو الذي فتح الدنيا، ومع ذلك هكذا نفقته رضي الله عنه وأرضاه.

وكان أبو بكر يتمثل بهذا البيت ويبكي، يقول:

لا تزال تنعى ميتاً حتى تكونه قد يرجو الفتى الرجاء يموت دونه

يقول: أنت كل يوم تبكي على الأموات، لكنك ما تبكي على نفسك.

وكان فصيحاً، ويتمثل بالأشعار كثيراً، لكن هذا البيت يكرره دائماً:

يقول: قد يرجو الفتى آمالاً وطموحات وتسمى المستقبل، لكنه كفنت أكفانه وهو لا يدري، ومع الصباح: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢].

وكان رضي الله عنه كثير النوافل، وكان يقوم من الليل فيبكي ويبكي ثم يرتاح قليلاً، ثم يقوم يقرأ ويبكي ويبكي رضي الله عنه وأرضاه.

وذكره أهل العلم منهم ابن سعد، وأطنب في ذكره، ونحتسبه على الله عز وجل في هذه الجلسة أن تكون عبادة لنا بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى في ذكر أبي بكر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>