المعاناة في حياة الجيل سبيلٌ وسنة
والمعاناة في حياة الجيل سبيل وسنة, والله خلق الإنسان في كبد, {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الانسان:٢] قالوا: بالدعوة, وقيل: بالتكليف, بل هو مبتلى حتى في طعامه وشرابه, والفاسق مبتلى في معصيته, وشارب الخمر مبتلى بكأسه, وضارب العود مبتلى بعوده, والفنان مبتلى بفنه, والزنديق مبتلى بزندقته, والمؤمن مبتلى برسالته ومبادئه التي يحملها للناس, {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤] فهو في مشقة وفي ورطة, لا يخرجه من هذه الورطة إلا {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:٥٠] ولا يكون المخرج إلا محمداً عليه الصلاة والسلام، لأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور, ولأنه ربان سفينة النجاة، من ركب فيها نجا, ومن تخلف عنها هلك.
{يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦] فهو عامل، الغني كادح, ومدير القرار كادح, ومنتج الجرم كادح, ومقترف الفاحشة كادح, ومرسل الكلمة البناءة كادح, ولكنه يعود إلى الله, وكما قال البوشنجي وهو يتكلم عن الدنيا، وهو أحد العلماء المحدثين:
أتينا كارهين لها ولما عشقناها خرجنا كارهينا
وما بالعيش سلوتنا ولكن مرار العيش فرقة من لقينا
يقول: أتينا نكره الدنيا غاضبين على الدنيا, لا نريد الدنيا، فلما تعلقنا بها أتانا الموت تعلقنا بالدنيا, كما قال الأول:
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
وهذه هي المعاناة الكبرى, وهي العامة لكل البشر لمؤمنهم ولكافرهم، ولمهتديهم وضالهم.